حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله ويتضمن تحاكمهم ولكن بقصد منهم مذموم وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنه إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه، وإلا فاحذروا ذلك، وقد ذمهم الله في كتابه العزيز على هذا القصد * قال عبد الله بن المبارك: ثنا معمر عن الزهري قال:
كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره، وإذا هو رجل من مزينة، كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء نفر من اليهود - وقد زنا رجل منهم وامرأة - فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا حدا دون الرجم فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبي من أنبيائه، قال مرة عن الزهري، وإن أمرنا بالرجم عصيناه فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجال من المسلمين، حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن؟ قالوا: نجبيه، والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: وسكت حبرهم وهو فتى شاب، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا ألظ به النشدة، فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فإنا نجد في التوراة الرجم على من أحصن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ترخصتم أمر الله عز وجل؟ فقال: زنا رجل منا ذو قرابة بملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، فزنا بعده آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه، فقالوا: لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلانا ابن عمه، فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما حكم في التوراة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما فرجما (1) * قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم * (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) * [المائدة: 44] وله شاهد في الصحيح عن ابن عمر، قلت: وقد ذكرنا ما ورد في هذا السياق من الأحاديث عند قوله تعالى * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم عن مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) * [المائدة: 41] يعني الجلد والتحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم، يعين إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، * (وإن لم تؤتوه فاحذروا) *، يعني وإن لم يحكم لكم بذلك فاحذروا قبوله، قال الله تعالى * (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا