[التوبة: 40] وهو المراد من قوله * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * [الأنفال: 30] ولهذا قال: * (وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا) * [الاسراء: 76] وقد وقع كما أخبر فإن الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة وتابعه المهاجرون والأنصار، ثم كانت وقعة بدر فقتلت تلك النفوس، وكسرت تلك الرؤوس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك قبل كونه من إخبار الله له بذلك، ولهذا قال سعد بن معاذ لأمية بن خلف: أما إني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يذكر أنه قاتلك، فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم، قال: فإنه والله لا يكذب، وسيأتي الحديث في بابه. وقد قدمنا أنه عليه السلام جعل يشير لأصحابه قبل الوقعة إلى مصارع القتلى، فما تعدى أحد منهم موضعه الذي أشار إليه، صلوات الله وسلامه. وقال تعالى: * (آلم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * [الروم: 1 - 6] وهذا الوعد وقع كما أخبر به، وذلك أنه لما غلبت فارس الروم فرح المشركون، واغتنم بذلك المؤمنون، لان النصارى أقرب إلى الاسلام من المجوس، فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة بسبع سنين، وكان من أمر مراهنة الصديق رؤوس المشركين على أن ذلك سيقع في هذه المدة، ما هو مشهور كما قررنا في كتابنا التفسير، فوقع الامر كما أخبر به القرآن، غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبا عظيما جدا، وقصتهم في ذلك يطول بسطها، وقد شرحناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة. وقال تعالى: * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * [فصلت: 53] وكذلك وقع، أظهر الله من آياته ودلائله في أنفس البشر وفي الآفاق بما أوقعه من الناس بأعداء النبوة، ومخالفي الشرع ممن كذب به من أهل الكتابين، والمجوس والمشركين، ما دل ذوي البصائر والنهى على أن محمدا رسول الله حقا، وأن ما جاء به من الوحي عن الله صدق، وقد أوقع له في صدور أعدائه وقلوبهم رعبا ومهابة وخوفا، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال:
نصرت بالرعب مسيرة شهر (1)، وهذا من التأييد والنصر الذي آتاه الله عز وجل، وكان عدوه يخافه وبينه وبينه مسيرة شهر، وقيل: كان إذا عزم على غزوة قوم أرعبوا قبل مجيئه إليهم، ووروده عليهم بشهر، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.
فصل وأما الأحاديث الدالة على إخباره بما وقع كما أخبر، فمن ذلك ما أسلفناه في قصة الصحيفة