أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * [المائدة: 43] إلى أن قال * (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) * فذمهم الله تعالى على سوء ظنهم وقصدهم بالنسبة إلى اعتقادهم في كتابهم، وأن فيه حكم الله بالرجم، وهم مع ذلك يعلمون صحته، ثم يعدلون عنه إلى ما ابتدعوه من التحميم والتجبيه. وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن الزهري قال:
سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم فذكره، وعنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صوريا: أنشدك بالله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني تميم عند مالك بن النجار، قال: ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل الله * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * الآيات (1) * وقد ورد ذكر عبد الله بن صوريا الأعور في حديث ابن عمير وغيره بروايات صحيحة قد بيناها في التفسير.
حديث آخر قال حماد بن سلمة: ثنا ثابت عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا يهودي، أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، هل تجدون في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي؟ فقال:
لا، فقال الفتى: بلى والله يا رسول الله، إنا نجد في التوراة نعتك وصفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي لأصحابه: أقيموا هذا من عند رأسه، ولوا أخاكم (2). ورواه البيهقي من هذا الوجه بهذا اللفظ.
حديث آخر قال أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: إن الله ابتعث نبيه صلى الله عليه وسلم لادخال رجل الجنة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم كنيسة وإذا يهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، قال: وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة وقال: ارفع يدك، فقرأ حتى أتى على صفته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لوا أخاكم (3).