أن أدنو منه، قال: دعوا وابصة، ادن يا وابصة، مرتين أو ثلاثا، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، فقال: يا وابصة أخبرك أم تسألني؟ فقلت: لا، بل أخبرني: فقال: جئت تسأل عن البر والاثم، فقلت: نعم، فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك (ثلاث مرات) البر ما اطمأنت إليه النفس، والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس أفتوك (1).
باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده وهذا باب عظيم لا يمكن استقصاء جميع ما فيه لكثرتها، ولكن نحن نشير إلى طرف منها وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. وذلك منتزع من القرآن ومن الأحاديث، أما القرآن فقال تعالى في سورة المزمل - وهي من أوائل مما نزل بمكة - * (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) * [المزمل: 20] ومعلوم أن الجهاد لم يشرع إلا بالمدينة بعد الهجرة. وقال تعالى في سورة اقترب - وهي مكية - * (أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) * [القمر: 44] ووقع هذا يوم بدر، وقد تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من العريش ورماهم بقبضة من الحصباء فكان النصر والظفر، وهذا مصداق ذاك * وقال تعالى: * (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) * [المسد: 1 - 5] فأخبر أن عمه عبد العزى بن عبد المطلب الملقب بأبي لهب سيدخل النار هو وامرأته، فقدر الله عز وجل أنهما ماتا على شركهما لم يسلما، حتى ولا ظاهرا، وهذا من دلائل النبوة الباهرة، وقال تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * [الاسراء: 88] وقال تعالى في سورة البقرة: * (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) * الآية [البقرة: 23]، فأخبر أن جميع الخليقة لو اجتمعوا وتعاضدوا وتناصروا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته، وحلاوته وإحكام أحكامه، وبيان حلاله وحرامه، وغير ذلك من وجوه إعجازه، لما استطاعوا ذلك، ولما قدروا عليه، ولا على عشر سور منه، بل ولا سورة، وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا، ولن لنفي التأبيد في المستقبل، ومثل هذا التحدي، وهذا القطع، وهذا الاخبار الجازم، لا يصدر إلا عن واثق بما يخبر به، عالم بما يقوله، قاطع أن أحدا لا يمكنه أن يعارضه، ولا يأتي بمثل ما جاء به عن