جأش المصبح، فبعث إليه عكرمة يدعوه إلى الله وإلى السمع والطاعة، فاغتر بكثرة من معه ومخالفة لشخريت، فتمادى على طغيانه فسار إليه عكرمة بمن معه من الجنود فاقتتلوا مع المصبح أشد من قتال دبا المتقدم، ثم فتح الله بالظفر والنصر، ففر المشركون وقتل المصبح، وقتل خلق كثير من قومه، وغنم المسلمون أموالهم، فكان في جملة ما غنموا ألفا نجيبة فخمس عكرمة ذلك كله وبعث بخمسة إلى الصديق مع شخريت، وأخبره بما فتح الله عليه، والبشارة مع رجل يقال له: السائب، من بني عابد من مخزوم، وقد قال في ذلك رجل يقال له علجوم [المحاربي]:
جزي الله شخريتا وأفناء هاشما * وفرضم إذ سارت إلينا الحلائب جزاء مسئ لم يراقب لذمة * ولم يرجها فيما يرجى الأقارب أعكرم لولا جمع قومي وفعلهم * لضاقت عليكم بالفضاء المذاهب وكنا كمن اقتاد كفا بأختها * وحلت علينا في الدهور النوائب وأما أهل اليمن فقد قدمنا أن الأسود العنسي لعنه الله لما نبغ باليمن، أضل خلقا كثيرا من ضعفاء العقول والأديان حتى ارتد كثير منهم أو أكثرهم عن الاسلام، وأنه لما قتله الامراء الثلاثة قيس بن مكشوح وفيروز الديلمي، وداذويه، وكان ما قدمنا ذكره، ولما بلغهم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ازداد بعض أهل اليمن فيما كانوا فيه من الحيرة والشك، أجارنا الله من ذلك، وطمع قيس بن مكشوح في الامرة باليمن، فعمل لذلك، وارتد عن الاسلام وتابعه عوام أهل اليمن، وكتب الصديق إلى الامراء والرؤساء (1)، من أهل اليمن أن يكونوا [عونا إلى] فيروز والأبناء على قيس بن مكشوح حتى تأتيهم جنوده سريعا، وحرص قيس على قتل الأميرين الأخيرين، فلم يقدر إلا على داذويه، واحترز منه فيروز الديلمي، وذلك أنه عمل طعاما وأرسل إلى داذويه أولا، فلما جاءه عجل عليه فقتله، ثم أرسل إلى فيروز ليحضر عنده فلما كان ببعض الطريق سمع امرأة تقول لأخرى: وهذا أيضا والله مقتول كما قتل صاحبه، فرجع من الطريق وأخبر أصحابه بقتل داذويه، وخرج إلى أخواله خولان فتحصن عندهم وساعدته عقيل، وعك وخلق، وعمد قيس إلى ذراري فيروز وداذويه والأبناء فأجلاهم عن اليمن، وأرسل طائفة في البر وطائفة في البحر فاحتد فيروز فخرج في خلق كثير، فتصادف هو وقيس فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم قيسا وجنده من العوام، وبقية جند الأسود العنسي، فهزموا في كل وجه وأسر قيس وعمرو بن معدي كرب، وكان عمرو قد ارتد أيضا، وبايع الأسود العنسي، وبعث بهما المهاجر بن أبي أمية إلى أبي بكر أسيرين، فعنفهما وأنبهما، فاعتذرا إليه فقبل منهما علانيتهما، ووكل سرائرهما إلى الله عز وجل، وأطلق سراحهما وردهما إلى قومهما، ورجعت عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانوا باليمن إلى أماكنهم التي كانوا عليها في حياته عليه السلام بعد حروب طويلة، لو استقصينا إيرادها لطال ذكرها،