بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فأسلم تسلم، إلى آخره، فلما جاءه الكتاب قال: ما هذا؟ قالوا: هذا كتاب جاء من عند رجل بجزيرة العرب يزعم أنه نبي، فلما فتح الكتاب فوجده قد بدأ باسمه قبل اسم كسرى، غضب كسرى غضبا شديدا، وأخذ الكتاب فمزقه قبل أن يقرأه، وكتب إلى عامله على اليمن - وكان اسمه باذام (1) - أما بعد فإذا جاءك كتابي هذا فابعث من قبلك أميرين إلى هذا الرجل الذي بجزيرة العرب، الذي يزعم أنه نبي، فابعثه إلي في جامعة، فلما جاء الكتاب إلى باذام، بعث من عنده أميرين عاقلين، وقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فانضرا ما هو، فإن كان كاذبا فخذاه في جامعة حتى تذهبا به إلى كسرى، وإن كان غير ذلك فارجعا إلي فأخبراني ما هو، حتى أنظر في أمره، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوجداه على أسد الأحوال وأرشدها، ورأيا منه أمورا عجيبة، يطول ذكرها، ومكثا عنده شهرا حتى بلغا ما جاءا له، ثم تقاضاه الجواب بعد ذلك، فقال لهما: ارجعا إلى صاحبكما فأخبراه أن ربي قد قتل الليلة ربه، فأرخا ذلك عندهما ثم رجعا سريعا إلى اليمن فأخبرا باذام بما قال لهما فقال: احصوا تلك الليلة، فإن ظهر الامر كما قال فهو نبي، فجاءت الكتب من عند ملكهم أنه قد قتل كسرى في ليلة كذا وكذا، لتلك الليلة، وكان قد قتله بنوه ولهذا قال بعض الشعراء:
وكسرى إذ تقاسمه بنوه * بأسياف كما اقتسم اللحام تمخضت المنون له بيوم * أنى ولكل حاملة تمام وقام بالملك بعده ولده يزدجرد وكتب إلى باذام أن خذ لي البيعة من قبلك، واعمد إلى ذلك الرجل فلا تهنه وأكرمه، فدخل الاسلام قلب باذام وذريته من أبناء فارس ممن باليمن، وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيابة اليمن بكمالها، فلم يعزله عنها حتى مات، فلما مات استناب ابنه شهر بن باذام على صنعاء وبعض مخاليف، وبعث طائفة من أصحابه نوابا على مخاليف أخر فبعث أولا في سنة عشر، عليا وخالدا، ثم أرسل معاذا وأبا موسى الأشعري وفرق عمالة اليمن بين جماعة من الصحابة، فمنهم شهر بن باذام، وعامر بن شهر الهمداني، على همدان، وأبو موسى على مارب، وخالد بن سعيد بن العاص على عامر نجران ورفع وزبيد، ويعلى بن أمية على الجند، والطاهر بن أبي هالة على عك والأشعريين، وعمرو بن حرام (2) على نجران، وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد، وعلى السكاسك عكاشة بن مور (3) بن أخضر، وعلى السكون معاوية بن كندة، وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين - اليمن