اليمن بحذافيرها في أقصر مدة، وكان معه شيطان يحذق له ولكن خانه أحوج ما كان إليه. ثم لم تمض له ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر حتى قتله الله على يدي إخوان صدق، وأمراء حق، كما قدمنا ذكره وهم دازويه الفارسي، وفيروز الديلمي، وقيس بن مكشوح المرادي، وذلك في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة. قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال، وقيل بليلة فالله أعلم * وقد أطلع الله ورسوله ليلة قتله على ذلك كما أسلفناه.
ومنهم مسيلمة بن حبيب اليمامي الكذاب قدم المدينة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه بني حنيفة، وقد وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه وهو يقول: إن جعل لي محمد الامر من بعده اتبعته، فقال له: لو سألتني هذا العود - لعرجون في يده - ما أعطيتكه، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام كأن في يده سوارين من ذهب فأهمه شأنهما، فأوحى الله إليه في المنام انفخهما، فنفخهما فطارا، فأولهما بكذابين يخرجان، وهما صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة. وهكذا وقع، فإنهما ذهبا وذهب أمرهما. أما الأسود فذبح في داره، وأما مسيلمة فعقره الله على يدي وحشي بن حرب رماه بالحربة فأنفذه كما تعقر الإبل، وضربه أبو دجانة على رأسه ففلقه وذلك بعقر داره في الحديقة التي يقال لها حديقة الموت. وقد وقف عليه خالد بن الوليد وهو طريح - أراه إياه من بين القتلى مجاعة بن مرارة -، ويقال: كان أصفر أخينس وقيل كان ضخما أسمر اللون كأنه جمل أورق، ويقال إنه مات وعمره مائة وأربعون سنة فالله أعلم. وقد قتل قبله وزيراه ومستشاراه لعنهما الله، وهما محكم بن الطفيل الذي يقال له محكم اليمامة، قتله عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم وهو يخاطب قومه يأمرهم بمصالح حربهم فقتله، والآخر نهار بن عنفوة الذي يقال له الرجال بن عنفوة، وكان ممن أسلم ثم ارتد وصدق مسيلمة لعنهما الله في هذه الشهادة، وقد رزق الله زيد بن الخطاب قتله قبل أن يقتل زيد رضي الله عنه * ومما يدل على كذب الرجال في هذه الشهادة الضرورة في دين الاسلام، وما رواه البخاري وغيره أن مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك: أما بعد فإني قد أشركت معك في الامر، فلك المدر ولي الوبر، ويروى فلكم نصف الأرض ولنا نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ". وقد قدمنا ما كان يتعاطاه مسيلمة ويتعاناه لعنه الله من الكلام الذي هو أسخف من الهذيان، مما كان يزعم أنه وحي من الرحمن تعالى الله عما يقوله وأمثاله علوا كبيرا، ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم زعم أنه استقل بالامر من بعده واستخف قومه فأطاعوه وكان يقول: