عظيمة، وأما ولدك إسماعيل فإني باركته وعظمته، وكثرت ذريته، وجعلت من ذريته ماذ ماذ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وجعلت في ذريته اثنا عشر إماما، وتكون له أمة عظيمة، وكذلك بشرت هاجر حين وضعها الخليل عند البيت فعطشت وحزنت على ولدها، وجاء الملك فأنبع زمزم، وأمرها بالاحتفاظ بهذا الولد، فإنه سيولد له منه عظيم، له ذرية عدد نجوم السماء. ومعلوم أنه لم يولد من ذرية إسماعيل، بل من ذرية آدم، أعظم قدرا ولا أوسع جاها، ولا أعلى منزلة، ولا أجل منصبا، من محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي استولت دولة أمته على المشارق والمغارب، وحكموا على سائر الأمم. وهكذا في قصة إسماعيل من السفر الأول: أن ولد إسماعيل تكون يده على كل الأمم، وكل الأمم تحت يده وبجميع مساكن إخوته يسكن، وهذا لم يكن لاحد يصدق على الطائفة إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم * وأيضا في السفر الرابع في قصة موسى، أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام: أن قل لبني إسرائيل: سأقيم لهم نبيا من أقاربهم مثلك يا موسى، وأجعل وحيى بفيه وإياه تسمعون. وفي السفر الخامس - وهو سفر الميعاد - أن موسى عليه السلام خطب بني إسرائيل في آخر عمره - وذلك في السنة التاسعة والثلاثين من سني التيه - وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم، وإحسانه إليهم، وقال لهم فيما قال: واعملوا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلني إليكم، يأمركم بالمعروف، وينهاكم عن المنكر، ويحل لكم الطيبات، ويحرم عليكم الخبائث، فمن عصاه فله الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة * وأيضا في آخر السفر الخامس وهو آخر التوراة التي بأيديهم: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران:
وظهر من ربوات قدسه، عن يمينه نور، وعن شماله نار، عليه تجتمع الشعوب. أي جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء - وهو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده - وأشرق من ساعير وهي جبال بيت المقدس - المحلة التي كان بها عيسى بن مريم عليه السلام - واستعلن أي ظهر وعلا أمره من جبال فاران، وهي جبال الحجاز بلا خلاف، ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم * فذكر تعالى هذه الأماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعي، ذكر محلة موسى، ثم عيسى، ثم بلد محمد صلى الله عليه وسلم، ولما أقسم تعالى بهذه الأماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا، ثم الأفضل منه، ثم الأفضل منه، على قاعدة القسم فقال تعالى: * (والتين والزيتون) * [التين: 1 - 3] والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليه السلام * (وطور سينين) * وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى * (وهذا البلد الأمين] وهو البلد الذي ابتعث منه محمدا صلى الله عليه وسلم * قاله غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآيات الكريمات. وفي زبور داود عليه السلام صفة هذه الأمة بالجهاد والعبادة، وفيه مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم، بأنه ختام القبة المبنية، كما ورد به الحديث في الصحيحين (1): " مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطيفون بها