رسول الله أرقت الليلة، قال: إني وجدت تحت جنبي تمرة فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه، تفرد به أحمد. وأسامة بن زيد هو الليثي من رجال مسلم.
والذي نعتقد أن هذه التمرة لم تكن من تمر الصدقة لعصمته عليه السلام ولكن من كمال ورعه عليه السلام أرق تلك الليلة، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: [والله إني] لأتقاكم لله وأعلمكم بما أتقى. وفي الحديث الآخر أنه قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك * وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل (1)، وفي رواية: وفي صدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء (2).
وروى البيهقي من طريق أبي كريب محمد بن العلاء الهمداني، ثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أراك شبت، فقال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت (3). وفي رواية له عن أبي كريب عن معاوية بن هشام، عن شيبان، عن فراس، عن عطية عن أبي سعيد قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أسرع إليك الشيب، فقال: شيبتني هود وأخواتها: الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت.
فصل في شجاعته (صلى الله عليه وسلم) ذكرت في التفسير عن بعض من السلف أنه استنبط من قوله تعالى: * (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين) * [النساء: 88] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مأمورا أن لا يفر من المشركين إذا واجهوه ولو كان وحده من قوله * (لا تكلف إلا نفسك) * وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشجع الناس وأصبر الناس وأجلدهم، ما فر قط من مصاف ولو تولى عنه أصحابه. قال بعض أصحابه: كنا إذا اشتد الحرب وحمى الناس، نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ففي يوم بدر رمى ألف مشرك بقبضة من حصا فنالتهم أجمعين حين قال: شاهت الوجوه، وكذلك يوم حنين كما تقدم، وفر أكثر أصحابه في ثاني الحال يوم أحد وهو ثابت في مقامه لم يبرح منه ولم يبق معه إلا اثنا عشر قتل منهم سبعة وبقي الخمسة. وفي هذا الوقت قتل أبي بن خلف لعنه الله فعجله الله إلى النار. ويوم حنين ولى الناس كلهم وكانوا يومئذ اثنا عشر ألفا وثبت هو في نحو من مائة من الصحابة وهو راكب يومئذ بغلته وهو يركض بها إلى نحو العدو، وهو ينوه باسمه ويعلن بذلك قائلا: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. حتى جعل العباس وعلي وأبو سفيان يتعلقون في تلك البغلة ليبطئوا سيرها