عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب. فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك قالت وما العراك؟ فضربت منكب صاحبي. قالت: مه آذيت أخاك. ثم قالت:
ما العراك المحيض! قولوا ما قال الله عز وجل في المحيض. ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض. ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي مما يلقى الكلمة ينفعني الله بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا فقلت يا جارية ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي فمر بي. فقال يا عائشة ما شأنك فقلت: أشتكي رأسي.
فقال: أنا وا رأساه فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جئ به محمولا في كساء فدخل علي وبعث إلى النساء، فقال إني قد اشتكيت وإني لا أستطيع أن أدور بينكن فأذن لي فلأكن عند عائشة فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة (1) باردة فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إلي الحجاب. فنظر عمر إليه فقال: وا غشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين. قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه فقبل جبهته ثم قال وا نبياه ثم رفع رأسه فحدرناه وقبل جبهته ثم قال وا صفياه ثم رفع رأسه وحدرناه وقبل جبهته وقال وا خليلاه مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين. فتكلم أبو بكر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول * (إنك ميت وإنهم ميتون) * [الزمر: 30] حتى فرغ من الآية. * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه) * [آل عمران: 144] حتى فرغ من الآية ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله. ثم قال عمر:
يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة (2) المسلمين فبايعوه فبايعوه. وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبي عمران الجوني به ببعضه. وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم