الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل. قال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح. قال: سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم. قال: فقال عبد الله: أخبرك إن شاء الله عن ذلك تعلم أني كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدري وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتى من الأنصار، فسلم على رسول الله ثم جلس. فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال:
أحسنهم خلقا. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس، ثم سكت الفتى. وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذ نزلن بكم - وأعوذ بالله أن تدركوهن - أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم. قال: ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها ثم عممه بها، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك. ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، فحمد الله وصلى على نفسه، ثم قال: خذه يا بن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم. فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء. قال ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل، بعث أبي عبيدة بن الجراح وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر، وزوده عليه السلام جرابا من تمر وفيها قصة العنبر وهي الحوت العظيم الذي دسره البحر (1) وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح، حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث. قال ابن هشام: ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث (2) - يعني هاهنا -، بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان صخر بن حرب بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه، فكان من أمره ما قدمناه وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر، ولم يتفق لهما قتل أبي سفيان بل قتلا رجلا غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه، وبعث سالم بن عمير أحد