وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البخاري حدثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده. ورواه الترمذي من حديث مالك. وقال حديث صحيح حسن. وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الأولين والأنصار في جيشه فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب ومن قال: إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق ونفذ الصديق جيش أسامة كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه إن شاء الله.
فصل في الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه قال الله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * [الزمر: 30] وقال تعالى: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) * [الأنبياء: 34]. وقال تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) * [الأنبياء: 35] * (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * [آل عمران: 185]. وقال تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد دخلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * [آل عمران: 144 - 145]. وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل. وقال تعالى:
* (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * [النصر: 1 - 3]. قال عمر بن الخطاب وابن عباس: هو أجل رسول الله نعي إليه. وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع، فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم، الخطبة المشهورة كما تقدم. وقال جابر: رأيت رسول الله