والرجوع عن الاعتراف لوقوع الاقرار على الدرهم بلفظ يفيد النصوصية، فلم يصح إخراج أحدهما بعد أن نص على ثبوته، كما لو قال: " جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلا زيدا " بخلاف ما لو قال: " له درهمان إلا درهما " فإنه قابل للتجوز في الدرهمين.
وأجيب أن التجوز عن نصف الدرهم بدرهم صحيح لصحة قولنا " له درهم إلا نصفه " فكأنه استثنى من كل درهم نصفه، ونصفا درهم درهم، وذلك لأن دلالة لفظ " درهم " على مسماه ليس كدلالة " زيد " العلم على مسماه، إذ لا يمكن أن يراد بالاسم بعض مسماه، بخلاف إرادة البعض من المجموع لصحة إطلاق اسم الكل على الجزء، فلا يلزم النقض، بل غايته التجوز في إطلاق كل من الدرهمين على بعض.
والأولى أن يقال: إن المنساق عرفا بعد تعذر الاستثناء مما يليه ومن سابقه استثناؤه من المفهوم عرفا، وهو الدرهمان، كاستثناء الستة من الخمسة والخمسة في قوله: " له علي خمسة وخمسة إلا ستة " ونظائره التي حكى العضدي فيها الاتفاق على صحته.
بل لا يخفى بناء على ما ذكره النحاة والمفسرون من الحذف والتقدير في مثل الاستثناء والعطف ونحوهما أن الأمر أوسع من ذلك كله.
على أن واو العطف بمثابة ألف التثنية عند النحاة والأصوليين، وقد عرفت سابقا أن الاستثناء من العين صحيح مع قيام احتمال التناقض فيه، ومن هنا كان على ما حكي خيرة الخلاف والدروس والحواشي وجامع المقاصد ومجمع البرهان الالتزام بدرهم واحد، ولعله الأقوى لما عرفت، من غير فرق بين القول بالرجوع إلى الأخيرة أو إلى الجميع، وما ذكره الشيخ ومن تبعه من البناء المزبور غير ظاهر، لأن الاستثناء إنما يختص بالأخيرة إذا لم يستغرق، أما معه فيجب عوده إلى الجميع، كما يجب عوده إلى المستثنى منه لو كان مستغرقا.
ووجهه أن قرينة المقام تقتضي عوده إلى الجميع، والاختصاص بالأخيرة