فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم وعلموا أن هذه وقعة لها بعدها فحشدوا وجمعوا ولم وتركوا من طاقتهم شيئا إلا استنفدوه فلما فرغوا من أمرهم ساروا نحوه فاستشار أصحابه فيما يفعل وكل أشار بالعود عن الحصن فإن لقاء الفرنج في بلادهم خطر لا يدري على أي شيء تكون العاقبة فقال لهم إن الفرنج متى رأونا قد عدنا من أيديهم طمعوا وساروا في أثرنا وخربوا بلادنا ولا بد من لقائهم على كل حال.
ثم ترك الحصن وتقدم إليهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم إن الله تعالى أنزل نصره على المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وقتل منهم خلق كثير، وتقدم عماد الدين إلى عسكره بالإنجاز وقال هذا أول مصاف عملناه معهم فلنذقهم من بأسنا ما يبقي رعبه في قلوبهم ففعلوا ما أمرهم ولقد اجتزت بتلك الأرض سنة أربع وثمانين وخمسمائة ليلا فقيل لي إن كثيرا من العظام باق إلى ذلك الوقت.
فلما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الحصن فتسلموه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا وبقي إلى الآن خرابا ثم سار منه إلى قلعة حارم وهي بالقرب من أنطاكية فحصرها وهي أيضا للفرنج فبذل له أهلها نصف دخل بلد حارم وهادنوه فأجابهم إلى ذلك وعاد عنهم وقد استدار المسلمون بتلك الأعمال وضعفت قوى الكافرين وعلموا أن البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب وصار قصاراهم حفظ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طمعوا في ملك الجميع.