على جاري العادة والعساكر في أثره متلاحقة وهم آمنون لا يظنون أحدا يقدم على القرب منهم.
وكان روجيل صاحب أنطاكية لما بلغه حصر كفر طاب سار في خمسمائة فارس وألفي راجل للمنع فوصل إلى المكان الذي ضربت فيه خيام المسلمين على غير علم بها فرآها خالية من الرجال المقاتلة لأنهم لم يصلوا إليها فنهب جميع ما هناك وقتل كثيرا من السوقية وغلمان العسكر ووصلت العساكر متفرقة فكان الفرنج يقتلون كل من وصل إليهم.
ووصل الأمير برسق في نحو مائة فارس فرأى الحال فصعد تلا هناك ومعه أخوه زنكي وأحاط بهم السوقية والغلمان واحتموا بهم ومنعوا الأمير برسق من النزول فأشار عليه أخوه ومن معه بالنزول والنجاة بنفسه فقال لا أفعل بل أقتل في سبيل الله وأكون فداء المسلمين فغلبوه على رأيه فنجا هو ومن معه فتبعهم الفرنج نحو فرسخ ثم عادوا وتمموا الغنيمة والقتل وأحرقوا كثيرا من الناس وتفرق العسكر وأخذ كل واحد جهة.
ولما سمع الموكلون بالأسرى المأخوذين من كفر طاب ذلك قتلوهم وكذلك فعل الموكل بإياز بن إيلغازي قتله أيضا وخاف أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين التي بالشام فإنهم كانوا يرجون النصر من جهة هذا العسكر فأتاهم ما لم يكن في الحساب وعادت العساكر عنهم إلى بلادها.
وأما برسق وأخوه زنكي فإنهما توفيا في سنة عشر وخمسمائة وكان برسق خيرا دينا وقد ندم على الهزيمة وهو يتجهز للعود إلى الغزاة فأتاه أجله.