الأمر في الحصار، أخرج الضعفاء والفقراء من البلد حتى خلت المحال وعدمت الأقوات وأكل الناس الخيل والجمال وغير ذلك وقلت الأموال فاضطر السلطان محمد إلى أن يستقرض من أعيان البلد فأخذ مالا عظيما ثم عاود الجند الطلب فقسط على أهل البلد شيئا آخر وأخذه منهم بالشدة والعنف فلم تزل الأسعار تغلو حتى بلغ عشرة أمنان من الحنطة بدينار وأربعة أرطال لحما بدينار وكل مائة رطل تبنا بأربعة دنانير ورخصت الأمتعة وهانت لعدم الطالب.
وكانت الأسعار في عسكر بركيارق رخيصة فبقي الحصار على البلد إلى عاشر ذي الحجة فلما رأى السلطان محمد أنه لا قدرة له على الدفع عن البلد وكلما جاء أمره يضعف قوي عزمه على مفارقته وقصد جهة أخرى يجمع فيها العساكر ويعود بدفع الخصم عن الحصار فسار عنا لبلد في مائة وخمسين فارسا ومعه الأمير ينال واستخلف بالبلد جماعة من الأمراء الكبار في باقي العسكر فلما فارق العسكر والبلد لم يكن في دوابهم ما يدوم على السير لقلة العلف في الحصار فنزل على ستة فراسخ.
فلما سمع بركيارق بمسيره سير وراءه الأمير أياز في عسكر كثير وأمره بالجد في السير في طلبه فقيل إن محمدا سبقهم فلم يدركوه فرجعوا، وقيل بل أدركوه فأرسل إلى الأمير أياز يقول أنت تعلم أن لي في رقبتك عهودا وأيمانا ما نقضت ولم يكن مني إليك ما تبالغ في أذاي فعاد عنه وأرسل له خيلا وأخذ علمه والجتر وثلاثة أحمال دنانير،