أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام، قال: فقيل للملك أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك! قال: فخد أخدودا ثم ألقى فيه الحطب والنار ثم جمع الناس وقال: من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في ذلك الأخدود، فذلك قوله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، حتى بلغ إلى:
العزيز الحميد، وأما الغلام فإنه دفن وذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، روى هذا الحديث الترمذي عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق ابن معمر، ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن حماد بن سلمه ثم اتفقا، عن سالم عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن إسحاق: إن الملك لما قتل الغلام هلك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وهو النصرانية وكان على ما جاء به عيسى، عليه السلام، من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الاحداث، فمن هنالك أصل النصرانية بنجران، قال: فسار إليهم ذو نواس بجنوده فدعاهم إلى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل، فخد لهم الأخدود فحرق من حرق في النار وقتل من قتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففي ذي نواس وجنوده أنزل الله تعالى: قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود، إلى آخر الآية، قال عبيد الله الفقير إليه: خبر الترمذي ومسلم أعجب إلي من خبر ابن إسحاق لان في خبر ابن إسحاق أن الذي قتل النصاري ذو نواس وكان يهوديا صحيح الدين اتبع اليهودية بآيات رآها، كما ذكرناه في امام من هذا الكتاب، من الحبرين اللذين صحباه من المدينة ودين عيسى إنما جاء مؤيدا ومسددا للعمل بالتوراة فيكون القاتل والمقتول من أهل التوحيد والله قد ذم المحرق والقاتل لأصحاب الأخدود فبعد إذا ما ذكره ابن إسحاق وليس لقائل أن يقول إن ذا نواس بدل أو غير دين موسى، عليه السلام، لان الاخبار غير شاهدة بصحة ذلك، وأما خبر الترمذي أن الملك كان كافرا وأصحاب الأخدود مؤمنين فصح إذا، والله أعلم، وفتح نجران في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، في سنة عشر صلحا على الفئ وعلى أن يقاسموا العشر ونصف العشر، وفيها يقول الأعشى:
وكعبة نجران حتم عليك * حتى تناخي بأبوابها نزور يزيدا وعبد المسيح * وقيسا هم خير أربابها وشاهدنا الورد والياسمين * والمسمعات بقصابها وبربطنا دائم معمل، * فأي الثلاثة أزرى بها؟
وكعبة نجران هذه يقال بيعة بناها بنو عبد الملك بن الديان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان فيها أساقفة معتمون وهم الذين جاؤوا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى المباهلة، وذكر هشام بن الكلبي أنها كانت قبة من أدم من ثلثمائة جلد، كان إذا جاءها الخائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أرفد، وكان لعظمها عندهم يسمونها كعبة نجران، وكانت على نهر بنجران، وكانت لعبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل، وكان يستغل