قال عبيد الله الحقير مؤلف هذا الكتاب: إلى ههنا انتهى بنا ما أردنا جمعه وتيسر لنا وضعه من كتاب معجم البلدان بعد أن لم نأل جهدا في التصحيح والضبط والاتقان والخط، ولا أدعي أنني لم أغلط، ولا أشمخ بأنني لم أك من عشواء أخبط، والمقر بذنبه يسأل الصفح فإن أصبت فهو بتوفيق الله تعالى وإن أخطأت فهو من عوائد البشر، فلما لم أنته من هذا الكتاب إلى غاية أرضاها، وأقف منها عند غلوة على تواتر الرشق أقول هي إياها، ورأيت تعثر قمر ليل الشباب بأذيال كسوف شمس المشيب وانهزامه، وولوج ربيع العمر على قيظ انقضائه بأمارات الهرم واقتحامه، استخرت الله تعالى ذا الطول والقوة، ووقفت ههنا راجيا نيل الأمنية، بإهداء عروسه إلى الخطاب قبل المنية، وخفت الفوت، فسابقت بإبرازه الموت، وإنني بانهزام العمر قبل إبرازه إلى المبيضة لجد حذر، ولفلول حد الحرص لعدم الراغب والمحرض عليه منتظر، وكيف ثقتي بجيش بيتته من كتائب الأمراض المبهمة حواطم المقانب، أو أركن إلى صباح ليل أمسيت وقد اعترضتني فيه الاعراض من كل جانب، ومع ذلك فإنني أقول ولا أحتشم، وأدعو إلى النزال كل بطل في العلم علم ولا انهزم، ان كتابي هذا أوحد في بابه، مؤمر على جميع أضرابه وأترابه، لا يقوم لمثله إلا من أيد بالتوفيق، وركب في طلب فوائده كل طريق، فغار وأنجد، وتقرب فيه وأبعد، وتفرغ له في عصر الشباب وحرارته، وساعده العمر بامتداده وكفايته، وظهرت عليه علامات الحرص وأماراته، نعم وإن كنت أستصغر هذه الغاية فهي كبيرة، وأستقلها فهي لعمر الله كثيرة، وأما الاستيعاب فأمر لا تفي به طوال الأعمار، ويحول دونه مانعا العجز والبوار، فقطعته والعين طامحة والهمة إلى طلب الازدياد جامحة، ولو وثقت بمساعدة العمر وامتداده، وركنت إلى أن يعضدني التوفيق لبغيتي منه واستعداده، لضاعفت ضخمه أضعافا، وزدت في فوائده مئين بل آلافا، وخير الأمور أوساطها، ولو أردت نفاق هذا الكتاب وسيرورته، واعتمدت إشاعة ذكره وشهرته، لصغرته بقدر الهمم العصرية، ورغبات من يراه من أهل الهمم الدنية، ولكنني انقدت فيه لنهمتي، وجررت رسني له بقدر همتي، وسألت الله أن لا يرحمنا ثواب التعب فيه، ولا يكلنا إلى أنفسنا فيما نعمله وننويه، بمحمد وآله وأصحابه الكرام البررة.
وقال المؤلف، رحمه الله: وكان فراغي من هذه المسودة في العشرين من صفر سنة 621 بثغر حلب، وأنا أسأل الله الهداية إلى مراضيه والتوفيق لمحابه بمنه وكرمه