مع المدن.
مسجد ابن رغبان: في غربي بغداد كان مزبلة، قال بعض الدهاقين: مربي رجل وأنا واقف عند المزبلة التي صارت مسجد ابن رغبان قبل أن تبني بغداد فوقف عليها وقال: ليأتين على الناس زمان من طرح في هذا الموضع شيئا فأحسن أحواله أن يحمل ذلك في ثوبه، فضحكت تعجبا، فما مرت إلا أيام حتى رأيت مصداق ما قال.
مسجد التقوى: قيل: لما قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، مهاجرا نزل بقباء على بني عمرو بن عوف فأقام فيهم يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة، وذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين أسسه كان هو أول من وضع حجرا بيده في قبلته ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى جنب حجر أبي بكر ثم أخذ الناس في البنيان، وهذا المسجد أول مسجد بني في الاسلام، وفيه وفي أهله نزلت: فيه رجال يحبون أن يتطهروا، وهو على هذا المسجد الذي أسس على التقوى وإن كان روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: هو المسجد هذا، وفي رواية أخرى قال: وفي الآخر خير كثير، وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزل:
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم، ما الطهور الذي أثني الله به عليكم؟ فذكروا لله الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار، قال: هو ذاكم فعليكموه، وليس بين الحديثين تعارض كلاهما أسس على التقوى غير أن قوله من أول يوم يقتضي مسجد قباء لان تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دار هجرته وهو أول التاريخ للهجرة المباركة ولعلم الله تعالى بأن ذلك اليوم سيكون أول يوم من التاريخ سماه أول يوم أرخ فيه في قول بعض الفضلاء، وقد قال بعضهم: إن ههنا حذف مضافا تقديره تأسيس أول يوم، والأول أحسن.
المسجد الحرام: الذي بمكة كان أول من بناه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولم يكن له في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر جدار يحيط به، وذاك أن الناس ضيقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله ولا بد للبيت من فناء وإنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم، فاشترى تلك الدور وهدمها وزادها فيه وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد واتخذ للمسجد جدارا دون القامة فكانت المصابيح توضع عليه، ثم كان عثمان فاشترى دورا أخر وأغلى في ثمنها وأخذ منازل أقوام أبوا أن يبيعوها ووضع لهم الأثمان فضجوا عليه عند البيت فقال: إنما جرأكم علي حلمي عنكم وليني لكم، لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيض فخلى سبيلهم، ويقال: إن عثمان أول من اتخذ الأروقة حين وسع المسجد وزاد في سعة المسجد، فلما كان ابن الزبير زاد في إتقانه لا في سعته وجعل فيه عمدا من الرخام وزاد في أبوابه وحسنها، فلما كان عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع حائط المسجد وحمل إليه السواري من مصر في البحر إلى جدة واحتملت من جدة على العجل إلى مكة، وأمر الحجاج بن يوسف فكساها الديباج، فلما ولي الوليد بن عبد الملك زاد في حليتها وصرف في