الضرب والشرب ومحلهما، فكذلك هذا المسمى المراد أنه موضع الهدي ومحله، ويجوز أن يكون المهدي منسوبا إلى اسم مكان الهدي كما أن مضربي منسوب إلى اسم مكان الضرب، والقياس هدى يهدي والمكان مهدي بتصحيح الياء كما أن قاض أصله قاضي بتصحيح الياء مثل مضرب سواء ولكنهم استثقلوا الخروج من الكسر إلى الضم كما استثقلوا في القاضي والغازي فعدلوا إلى الأخف فقالوا مهدى كما قالوا مغزى فصار مقصورا لا يحتمل ما تحتمله الياء من التحريك في النصب فلزم طريقة واحدة وأعيدت الياء في القاضي إلى أصلها لما أمن الثقل عليها، فإن قيل فهلا فروا في القاضي والغازي إلى القصر وألزموه طريقة واحدة؟ قلنا إنما فروا من الثقل، ولو قالوا قاضا لصار بعد الضاد ألف وقبلها ألف وصار في زنة الفعل من قاضيت ففروا إلى الأخف، لكنهم لما نسبوا إليهما ردوهما إلى الأصل الواحد في رأيي فقالوا قاضي ومهدي، فكسروا الدال التي في مهدي وشد دوا ياء النسبة وإن كان الأشهر الأكثر قاضوي ومهدوي ومغزوي إلا أن ذلك هو الأولى على أصلنا، فهذا هو وجه حسن في تعليل من قال قاضي ومغزي لا مطعن للمنصف فيه، والوجه الثاني وهو الذي يراه النحويون في هذا أن المهدي هو اسم المفعول من هدى يهدي فهو مهدي مثل ضرب يضرب فهو مضروب فعلى هذا أصله مهدوي، بفتح أوله وسكون ثانيه وضم الدال وسكون واوه وتصحيح يائه، بوزن مضروب، فاستثقلوا الخروج من الواو الساكنة إلى الياء فأدغموا الواو في الياء فصارت ياء مشددة فكسرت لها الدال فصار مهدي مثل مرمي ومشوي ومقلي، والوجه الثالث أن يكون منسوبا إلى المهد تشبيها له بعيسى، عليه السلام، فإنه تكلم في المهد فضيلة اختص بها وإنه يأتي في آخر الزمان فيهدي الناس من الضلالة ويردهم إلى الصواب، وهذه المدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان، القيروان في جنوبيها، والثياب السوسية المهدوية إليها تنسب، وقد اختطها المهدي، واختلف في نسبه فأكثر أهل السير الذين لم يدخلوا في رعيتهم وبعض رعيتهم الذين كانوا يخفون أمرهم يزعمون أنه كان ابن يهودي من أهل سلمية الشام وتزوج القداح الذي كان أصل هذه الدعوة بأمه فرباه إلى أن حضرته الوفاة ولم يكن له ولد فعهد إليه وعلمه الدعوة وكان اسمه سعيدا فلما صار الامر إليه سمي عبيد الله، وقال قوم قليلون: إنه ولد القداح نفسه، في قصص طويلة، وقال من صحح نسبه: إنه أحمد بن إسماعيل الثاني ابن محمد بن إسماعيل الأكبر بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، قدم إفريقية فملكها وأقام بالقيروان مدة ثم خط المهدية، وهي على ساحل بحر الروم داخلة فيه ككف على زند، عليها سور عال محكم كأعظم ما يكون يمشي عليه فارسان، عليها باب من حديد مصمت مصراع واحد تأنق المهدي في عمله، وقال بعض أهل المعرفة بأخبارهم:
في سنة 300 خرج المهدي بنفسه إلى تونس يرتاد لنفسه موضعا يبني فيه مدينة خوفا من خارج يخرج عليه، وأراد موضعا حصينا حتى ظفر بموضع المهدية وهي جزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند، فتأملها فوجد فيها راهبا في مغارة فقال له: بم يعرف هذا الموضع؟ فقال: هذا يسمى جزيرة الخلفاء، فأعجبه هذا الاسم فبناها وجعلها دار مملكته وحصنها بالسور المحكم والأبواب الحديد المصمت وجعل في كل مصراع من الأبواب مائة قنطار، ولها بابان بأربعة مصاريع لكل باب منها دهليز يسع خمسمائة فارس،