ذلك هذا الحين هذا القدر وسعه، وهذا الذي أدى إليه اجتهاده، وهو مكلف، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ولأنه لو لم يكفه لم ينفعه اجتهاده ما دام حيا، فلا بد له من التقليد، وربما لم يوجد له فتوى فقيه حتى يقلده، والتزام الاحتياط بالنسبة إلى جميع المسائل حرج، بل تكليف بما لا يطاق، وترجيح البعض من غير مرجح فاسد على حسب ما عرفت سابقا.
مع أن الفقهاء متفقون على أن المجتهد لا يجوز له تقليد غيره، ويريدون من المجتهد هذا الذي ذكرناه، لأنه بعد اطلاعه على جميع ما له دخل في الفهم وبذل جهده فيه يظهر عنده أن حكم الله كما فهمه، وغيره ليس حكم الله، فإن كان فتواه موافقا لفتوى الكل فنعم الوفاق، ويتعين عليه العمل به، وكذا إن كان موافقا لفتوى المشهور أو الأكثر لغاية قوة فتواه.
وأما إذا وافق البعض دون البعض فكذلك لما عرفت، سيما وأن المجتهد في مثله يبذل جهده في تعريف دليل المخالف وصحته و سقمه، ويبالغ، ومع ذلك يجد أن الحق معه ومع من وافقه، وكذا لو خالف البعض ولم يجد موافقا، لان الظاهر عنده أن حكم الله كذا، و أن ما عليه البعض ليس حكم الله، فكيف يصح التمسك به، ويدع فتواه؟ مع أنه في هذا المقام يبالغ أزيد مما تقدم.
وأما إذا خالف فتوى الكل فيجب عليه ترك فتواه، لأنه خطأ البتة، وكذلك لو خالف المشهور بين القدماء والمتأخرين إلا النادر، وذلك النادر أيضا كان رجع عن فتواه، ووافق القوم، ويظهر ذلك مع أنه في كتابه المتأخر