عينا، لنظم أمر المعاد والمعاش - هذه الشبهة واردة فيها: بأنه إن لم يحتج إلى مهارة وخبرة واطلاع على ما تبتني عليه وتتوقف عليه فباطل بالبديهة، ولا يتحقق نظم المعاد والمعاش، بل به يصير الفساد أزيد بلا شبهة. ومعلوم أن علم الفقه أيضا من جملة تلك العلوم واجب عينا أو كفاية لنظم المعاد والمعاش، بل أشد مدخلية فيه بمراتب شتى، بل جميع تلك العلوم والصنائع من شعبات الفقه و مسائله: أرى فسادها من فساد الفقه، كما مر في أول الفوائد.
ومع ذلك أن جميع ما هو علم أو صنعة أو حرفة باقية على حالها من القول بلزوم المهارة والخبرة، والاطلاع على ما تتوقف عليه، أو عسى أن تتوقف عليه. وكذا مراعاة الأساتيذ واحترامهم، وقبول قولهم، وكون الحق معهم، لان الأساتيذ وأهل الخبرة والمهارة يسمعون فيها البتة، وإن كان في نظر التلامذة أن ما قالوا ليس كذلك، إلا أنهم يقولون: إنهم أساتيذ هذا الفن، فالخطأ منا، ومن هذه يسمعون قولهم ويطيعونهم ويخدمونهم إلى أن يبلغوا مرتبة الأستاذية، ومع ذلك أستاذهم أسنادهم ما داموا في الحياة، ومع ذلك يعظمونهم غاية التعظيم، وإذا وقع كسر في خطهم، أو غيره من صنائعهم لا يجبرونه، ويجعلون التصرف في صنعهم، وإن كان خبيرا لكسرها دليلا على سلب التوفيق، وسوء الأدب، وموجبا لنكال شديد، من حيث كونهم أساتيذ، مع كون العلماء والأساتيذ في الغالب كفارا أو ضلالا أو فساقا، بل ربما كان كفرهم أشد كفر، وفسقهم أعظم فسق، يعظمونه من حيث الأستاذية، ويقبلون