ولا شك في أن العباد يكذبون ويفترون، ويخدعون، فإن كان الفاعل في هذه الأمور حقيقة وبحسب الواقع هو العبد يبطل مذهب الأشاعرة، ويخرب دليلهم، وإن كان هو الله تعالى لزم انسداد باب إثبات النبوة والشرع.
والقول - باستحالة صدورها عنه تعالى ب آلة، وعدم استحالته منه تعالى ب آلة أخرى، بل وتحققه عنه بتلك الآلة، بل ونهاية كثرة التحقق - تمحل فاسد، وتحكم ظاهر.
لان مقتضي الاستحالة: إن كان القبح العقلي - فمع أنهم لا يقولون به - عام بالبديهة، وإن كان نقص الذات - فمع أنه يرجع إلى القبح العقلي كما عرفت - هو أيضا عام، مع قطع النظر عن الرجوع، إذ لا شبهة في أن اختلاف الآلة لا دخل له في عدم النقص وثبوته. وإن كان ما ادعوه من العلم بعادة الله تعالى، ففيه أنه إذا كان عادته الجارية المستمرة الشائعة الذائعة هو الكذب والخدعة، فكيف يمكن دعوى العلم بخلافه؟ وإنه هو عادته؟ مضافا إلى ما عرفت من الدور الواضح. وأيضا لا خفاء في أن الأشاعرة إذا أحسن إليهم محسن غاية الاحسان أحبوه محبة شديدة، وأكرموه، وأحسنوا إليه، من حيث أن نفوسهم مطمئنة بأنه المحسن، وإذا ظلمهم أحد بأن قتل آباءهم و أولادهم وإخوانهم، أو أكل أموالهم، أو ضيعها، أو ضربهم أو جرحهم، أو شتمهم، أو هتك عرضهم، فلا شك في أنهم يمتلئون غيظا عليه، و يشددون الانكار والعتاب والتوبيخ بالنسبة إليه، ويصرحون بقولهم: أنت الذي فعلت كذا وكذا، بل ويستحقونه للقتل والحرق، و أن يجعلوه قطعا،