بل وإرسال الرسل، وغير ذلك مما لا يخفى، فتأمل.
ثم اعلم: أن المعتزلة: منهم من قال: بأن الحسن والقبح مقتضى ذات الفعل من حيث هي هي ومنهم من قال: بأنهما من مقتضى وصفه اللازم.
ومنهم من قال: بالوجوه والاعتبارات.
وأما غير المعتزلة فلعلهم لا يعينون ذلك، ويقولون: بالأعم والقدر المشترك. وهو الصواب.
وقال بعض المتأخرين منا: إن الصواب هو الأخير، أي بالوجوه والاعتبارات. وليس هو كذلك، إذ في بعض المقامات يظهر أن منافرة العقل من ذات الفعل، حتى أنه في مقام إيجابه له يكون المنافرة باقية مثل: قتل النساء والأطفال والرجال، سيما المقدسين إذا تترس بهم الكفار والمفسدون، وأكل الوالدين لحم ولدهما الميت اضطرارا، ونظر الأجنبي إلى فرج امرأة لا زوج لها وباطن فرجها للمعالجة، إلى غير ذلك، بل في مقام الكذب الضروري يشق على الحكيم، ويصعب غاية الصعوبة أن يكذب، وكذا مثله من القبائح، سيما ما هو أشد قبحا، ولذا يعتذرون عن الفعل القبيح، ولا يعتذر عن الصدق، لا الضروري وغيره، ولا يشق عليه.
ثم اعلم أنهم استدلوا على بطلان القولين (1) الأولين: بأنهما يستلزمان امتناع النسخ عن الحكيم. وأيضا القطع حاصل بأن الفعل الواحد يصير تارة حسنا، وتارة قبيحا مثل: الكذب قد يحسن إذا كان فيه عصمة نبي عن ظالم، وكذلك القتل والضرب.
والجواب عن مثل الكذب والقتل والضرب: بأن ذوات هذه الأفعال