فكيف إذا كان تمام الفعل منه بلا مشاركة؟ ولا يمكن لغيره من المشاركة أصلا، بل هو الفاعل القاهر الغالب الذي لا قوة سوى قوته، ولا أثر سوى أثره، بل كل ما كان الحكمة أزيد وأكثر كان القبح أشد وأوفر، وليس هذا من قبيل عدم منع المخلوقين عن المعاصي، لأنه لغرض التكليف والابتلاء، بأن يظهر درجة كل، ويبلغ كل مرتبته من السعادة والشقاوة، وما استحقه بهما، والقرب منه تعالى و البعد منه، وأمثال ذلك، ولا يتم ذلك إلا به، وفي مثل هذا لا قبح قطعا، بل يثبت - من الآيات والاخبار والاجماع والاعتبار - أنه تعالى لا يظلم أحدا أصلا ورأسا، وما ذكر أشد أنواع الظلم لغة وعرفا وعقلا، بل المرجع في الألفاظ ليس إلا العرف واللغة، ولا خفاء في كونه أعلى درجات الظلم عندهم. ولو فرض تحققه بالنسبة إلى المخلوقين أيضا، ولو فرض عدم القطع، فلا نقطع بالقبح والظلم قطعا.
وأيضا لو لم يمكن تحقق فعل من العبد فلا معنى لبعث الرسل، وإتمام الحجة، وبسط التكاليف، والوعد والوعيد، والمبالغة فيهما وفي التبليغ، والاهتمام التام في الارشاد، والهداية، والموعظة، والنصيحة، والجد والجهد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، و الحسبة، والحدود. وقول الله تعالى:
ولكم في القصاص حياة وأمثال ذلك مما لا يحصى كثرة، وكذا البناء على التقصير وعدمه، والتفرقة بين المقدور وعدمه، والفرق بين العمد والنسيان والخطأ، والغفلة والغرور، والعلم والجهل، والاختيار والاضطرار، وغير ذلك، وكذا بين المباشر والسبب في الغصب والاتلاف والجنايات،