بل بالمعنى الذي لا نزاع فيه: وهو أن الشارع أمر به أو نهى عنه أو أنه مخالف للعرف أو العادة أو غرض من الاغراض.
وهذا الجواب فاسد بلا شبهة، لان العقل لا منافرة له بالنسبة إلى مثل ترك الصلاة والحج مما هو قبحه شرعي من بديهيات الدين، ولا يدرك عقولنا جهة قبحه، على أن البديهة حاكمة بالفرق بين ما ذكر من الفحشاء والقبائح وبين أضدادها من المحاسن، وكذا بين الصدق النافع والكذب الضار، فكيف يكون المنافرة من جهة الشرع؟
وكذا لا منافرة له بالنسبة إلى ما خالف العرف إذا كان ملائما للعقل، وكذا ما خالف العادة إذا كان ملائما للعقل والغرض، ولا شبهة في هذا أيضا.
سلمنا لكن منافرته من حيث كونه عصيانا للرب تعالى في الشرعيات، وهو عين المطلوب، إذ المطلوب: أن العقل يحسن، ويقبح، ولا شك في أنه يقبح عصيان المولى، كما أنه يقبح عصيان كل عبد لما أمر به مولاه، ونهاه عنه، فأمر المولى ونهيه ليس حسنا وقبحا، بل علة لتحقق الحسن في الإطاعة، والقبح في المعصية، وكذا الكلام في مخالفة العرف وغيره، بأن منافرة العقل منه من حيث كونه مخالفة العرف أو العادة أو الغرض، والعقل لا يرضى بمخالفة ما صار عرفا من حيث إنه صار عرفا، أو عادة كذلك، أو غرضا كذلك، وإن كان يرضى (1) بها في صورة تحقق عدم منافرة العقل لها.