مثل واحد أجنبي يقول لنا: أوجبت عليكم كذا، وحرمت عليكم كذا، فإنا نسمع كلامه، ونفهم مرامه، لكن لا نرى وجوب مراعاته، وامتثال أوامره، وانتهاء مناهيه. ولذا لا يمكنه أن يثبت علينا شيئا، اللهم إلا أن يكون ممن يحتمل الضرر في عدم مراعاة قوله، وامتثال أوامره و الانتهاء عن نواهيه.
فما أجابوا - بأن وجوب النظر في معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وامتثال أوامره ثابت عندنا بالشرع - بديهي الفساد، لان الكلام ما كان إلا في الواجبات الشرعية لأنها ليست إلا أن يقول الشارع:
انظر، ووجب عليك النظر مثلا إلى غير ذلك، لان المكلف لا يسمع إلا لفظا، ولا يفهم إلا معنى ذلك اللفظ، ولا يزيد على ذلك شيئا فلو كان مجرد هذا مستلزما لثبوت التكليف وإتمام الحجة لزم بالنسبة إلى كل من يقول هذا الكلام، بل بالنسبة إلى مثل من أشرنا إليه من المجانين، والأطفال أيضا.
وما أجابوا أيضا: - بأن ذلك مشترك الالزام لان وجوب النظر في معجزته، وامتثال أوامره نظري العقل فما لم يثبت عنده لم ينظر، و لم يمتثل - فاسد، فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يمكنه إثباتهما بالدليل.
مع أنه إذا قال للمكلف: إن الذي خلقك، وخلق العالم بعثني إليك، و خلقك لغرض، فاسمع مني، وانظر إلى معجزتي، واسمع مني الغرض، فلا شك في أن العقل حينئذ يحكم بوجوب النظر، وبعد ثبوت الرسالة بوجوب امتثاله.
وأيضا لو لم يكن للعقل حكم بهما ينسد باب إثبات النبوة والأحكام الشرعية ، لتجويز الكذب على الله تعالى عقلا، إذ لا يجد العقل مانعا عن كذبه، ودليلا على استحالته سوى ما ذكر، ولم يشر أحد من العقلا والمتكلمين إلى ما يتوهم كونه دليلا بعنوان الاحتمال، فضلا عن العلم واليقين،