وبالجملة فان الآيات بعمومها تدل على الزجر عن اتباع كل ظن وما ليس بعلم، ورادعية هذه الآيات تتوقف على عدم مخصص من الشارع والمفروض انه لم يصل إلينا مخصص، واما السيرة بما هي هي فلا تصلح أن يكون مخصصة، إذ لا حجية للسيرة بلا امضاء من الشارع، فالرادع رادع فعلا، والسيرة حجة لو ثبت الامضاء، وهو غير ثابت لا سيما مع ورود تلك النواهي.
فان قلت: ان العمل بالخبر الواحد كان سيرة جارية قبل نزول تلك الآيات و سكوت الشارع عنه امضاء لها، واما بعد نزول الآيات، فالمقام من صغريات الخاص المتقدم (السيرة) والعام المتأخر، فيدور الامر بين تخصيصها بالسيرة المتقدمة، أو ردعها إياها، وان شئت قلت: الامر يدور بين التخصيص والنسخ، ومع عدم الترجيح يستصحب حجية السيرة.
قلت: ان التمسك بالاستصحاب من الغرائب، إذ لم يثبت حجيته الا باخبار الآحاد أضف إلى ذلك: ان السكوت في أوائل البعثة لا يكشف عن رضاه، فان أوائل البعثة والهجرة لم يكن المفزع والمرجع في اخذ الاحكام الا نفس النبي صلى الله عليه وآله فلم يكن أكثر الاحكام منقولة بآحاد الرواة، حتى تقع مورد الرضاء والردع واما العمل بها في الأمور العادية والعرفية، فلا يجب للشارع تحديد العمل والتصرف فيها بل من الممكن ان الآيات نزلت في أوائل الامر للردع عن العمل بها في العاديات لئلا يسرى إلى الشرعيات.
استدلال النافين بالسنة فهي مع كثرتها تنقسم إلى أقسام (منها) ما يدل على عدم جواز العمل بالخبر الا إذا وجد شاهد أو شاهدان من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله يصدق مضمون الخبر وهذا أيضا مضمون ما دل على عدم جواز الاخذ الا بما وافق كتاب الله، وغير خفى على الخبير انه إذا وجد شاهد أو شاهدان من الكتاب والسنة على حكم مطابق لمضمون الخبر فلا حاجة عندئذ على الخبر الوارد في المقام.