من حدود الوجود ولها حظ منه، تجد جميع هذه في قولنا: الجسم له البياض، فان محكى الجسم والبياض غير حصول البياض للجسم، وحصوله للجسم ليس كلا حصوله ووقوع زيد في الدار ليس كلا وقوعه - نعم ليس لهذا القسم الأخير ماهية معقولة مستقلة، بان يدرك ما هو ربط بالحمل الشايع من دون ادراك الأطراف، كما أن موجوديته أيضا بعين موجودية الطرفين.
واما مفهوم الربط والنسبة التي تدرك مستقلة فليس نسبة ولا ربطا الا بالحمل الأولى الذاتي لا بالحمل الشايع، إذ للعقل ان ينتزع منها مفهوما مستقلا يجعله حاكيا عن الروابط الحقيقية ومشيرا إليها بنحو ما الحكاية والإشارة، لا كحكاية الماهية عن مصداقها، إذ لا يمكن استحضار حقائق النسب في الذهن بذاتها بتوسط هذه العناوين ولا يتعقل ذواتها بنحو استقلال لا بالذات ولا بالعرض، إذ المفروض ان حقيقتها عين الربط بالطرفين والفناء والاندكاك فيهما فلا يمكن الاستحضار الا تبعا لهما كما لا يوجد في وعاء الخارج الا كذلك.
وان شئت قلت: ان الفرق بين القضية المعقولة وما تنطبق عليه خارجا ليس الا باختلاف الموطن، بحيث لو أمكن قلب أحدهما إلى الاخر لحصل التطابق بلا زيادة ونقصان، فح فكما ان الربط التكويني بين الجواهر والاعراض انما هو بوجود النسب والوجودات الرابطة بحيث لولاها لا يستقل كل في مكانه، ولم يكن زيد مثلا مرتبطا بالدار ولا الدار مرتبطة بزيد، فكذلك حال المعقولات فإنه لا يلتئم الجواهر المعقولة مع الاعراض في الذهن الا ببركة النسب والإضافات الذهنية والحاصل انه قد يكون المعقول منا مطابقا لما في الخارج كما إذا تصورنا الجسم والبياض مرتبطا وجود أحدهما بالآخر، من دون أن يكون لهذا الارتباط صورة مستقلة، ففي هذا النحو من التعقل يكون حقيقة الربط والنسبة متحققين في الذهن كتحققهما في الخارج، أعني مندكا في الطرفين وقد يكون المعقول منا مخالفا لما في العين كما إذا تعقلنا مفهومي الانسان والدار ومفهوم الربط بالحمل الأولى فيكون الكل مفاهيم مفردة استقلالية لا يرتبط بعضها ببعض - هذا حال العين والذهن مع قطع النظر عن الواضع والدلالة، واما بالنظر إليهما فان أراد المتكلم ان يحكى عن ارتباط الجواهر بالاعراض