ومن المعلوم حينئذ انه كما أن ذات المعنى الأسمى وهو الطبيعة المهملة تحتاج إلى كاشف في مقام الكشف عنها، كذلك أيضا جهة خصوصية ارتباطه بالغير، فيحتاج تلك أيضا إلى كاشف يكشف عنها، ولا يكون الكاشف عنها الا الإرادة والهيئات كما هو الشأن أيضا عند لحاظ المعنى مجردا عن القيد والخصوصية، حيث إن الاحتياج إلى مقدمات الحكمة حينئذ انما هو من جهة كشفها عن خصوصية التجرد والاطلاق والا فاللفظ حسب وضعه لا يدل الا على ذات المعنى والطبيعة المهملة بما هي متحققة تارة في ضمن الفاقد للقيد والخصوصية وأخرى في ضمن الواجد لها. وحينئذ فكما ان حيث خصوصية العراء وتجرد المعنى تحتاج إلى كاشف يكشف عنها وكان الكاشف عنها هو مقدمات الحكمة، كذلك بعين هذا المناط حيث خصوصية ارتباط المعنى بالغير، فهي أيضا مما تحتاج إلى كاشف يكشف عنها وكان الكاشف عنها هو الأداة والهيئات. وحينئذ فلا يكون مداليل الحروف والهيئات إلا كمداليل الأسماء في كونها منبئة تنبئ عنها الأداة لا انها كانت موجدة بالأداة، كما لا يخفى.
وبالجملة نقول: بان من راجع وجدانه يرى أنه كما أن في مرحلة الخارج هيئات و نسبا خارجية متحققة من مثل وضع الحجر على حجر آخر وخشب فوق خشب وكون شئ في وعاء كالماء في الكوز، كذلك أيضا في عالم الذهن فان لنا ان نلاحظ ونتصور هيئات ونسبا على النحو الذي كانت في الخارج بان نلاحظ ونتصور في الذهن أحجارا موضوعة بعضها فوق بعض بهذه الهيئة والنسبة والخاصة ونلاحظ ماء في كوز كما أن لنا ان نلاحظ أحجارا بنحو لا يكون بينها ارتباط وذلك بملاحظة حجر ثم ملاحظة حجر آخر غير مرتبط بالحجر الأول وملاحظة ماء وكوز غير مرتبط أحدهما بالآخر. وبعد ذلك نسئل عن هذا القائل ونقول: بأنه إذا تصور شخص ولا حظ الحجر الموضوع على حجر آخر بهذا الارتباط الخاص فأراد القاء ما تصوره من الصورة المرتبطة في ذهن لتفهيمه بان ما في ذهنه هو تلك الصورة الخاصة فهل له محيص الا وان يكشف عنها بقوله الحجر على حجر بجعل (الحجر) حاكيا حسب وضعه عن الذات المعروضة للهيئة و (على) عن حيث الارتباط الخاص الذي بين المفهومين، أو انه لابد أيضا وان يوجد النسبة و الارتباط بين مفهومي الحجرين بالأداة؟ لا شبهة في أنه لا سبيل إلى الثاني لأن المفروض حينئذ هو تحقق تلك الإضافة والارتباط الخاص بين المفهومين قبل هذا الاستعمال فيكون