احتياج مثل هذا النحو من العبادة في مقربيتها إلى عدم كونها مبغوضة للمعبود له.
واما ما كان منها عبادة من جهة قصد القربة المتوقفة عباديتها على الامر بها أو رجحانها فلا يلزم من النهى عنها صحتها، بل في مثله يستحيل تعلق النهى بها يوصف كونها عبادة فعلا، فالنهي حينئذ انما يكون متعلقا بذات الشئ بما له من الاجزاء والشرائط غير الوصف الناشي من قبل الامر به نعم لو أريد من الصحة حينئذ الصحة التي يدعيها القائل بالوضع للصحيح: من كون الشئ واجدا لجميع الاجزاء والشرائط وكونه وافيا بالغرض على تقدير الامر به، لكان لدعواه كمال مجال، ولكنه لا ينتج ما هو المطلوب من الصحة الفعلية، كما هو واضح.
بقى الكلام في النهى التشريعي، في أنه هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة أم لا؟
ولتوضيح المرام ينبغي بيان حقيقة التشريع في الاحكام فنقول: ان حقيقة التشريع بعد أن كانت من سنخ البناء القلبي الذي هو من أفعال الجوانح دون الفعل الخارجي الذي هو من أفعال الجوارح فتارة في مقام التشريع يبنى الانسان على وجوب الشئ أو حرمته لكن لا بما انه من الدين، نظير القوانين المجعولة من طرف السلطان بين الرعية وأخرى يبنى على وجوب شئ أو حرمته في الدين بما انه مشرع، وذلك بان يدعى نفسه شارعا كالنبي صلى الله عليه وآله ثم في مقام شارعيته يجعل الشئ الفلاني واجبا أو حراما أو غير ذلك، وثالثة يبني على وجوب شئ أو حرمته في الدين بما انه هو الحكم المنزل من الله سبحانه بتوسيط رسوله من دون ادعائه الشارعية لنفسه، وعلى التقادير تارة يخبر أو يعمل على طبق تشريعه، وأخرى لا يخبر ولا يفتى بذلك ولا كان له عمل على طبق ما شرعه، كما لو كان تشريعه في حكم عمل غيره الذي هو أجنبي عنه، ثم على التقدير الأخير تارة يكون تشريعه في أصل الحكم الشرعي وأخرى في تطبيقه على المصداق الخارجي، فهذه صور متصورة في التشريع.
وبعد ذلك نقول: اما القسم الأول فلا مجال لدعوى كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا فان مجرد البناء والالتزام على وجوب شئ لا بما انه من الدين والشرع لا يقتضي كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا بوجه أصلا وان كان قد عمل على طبق ما شرعه فضلا عما لو لم يكن له عمل على طبقه.
واما القسم الثاني فكذلك أيضا من حيث تشريعه وبنائه على وجوب شئ أو حرمته