رجحانه الفعلي، إذ نقول بان من أنحاء القرب أيضا اتيان العمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى. ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذا المعنى مما يتمشى من المكلف حتى مع الجزم بعدم الامر الفعلي بل ومع الجزم بكونه مبغوضا فعلا ما لم يكن العمل مبعدا له، كما في المضطر بالغصب لاعن سوء الاختيار، وحينئذ فإذا اتى بالعمل في ظرف الجهل المزبور بداعي التوصل به إلى غرض المولى وكان العمل أيضا من جهة وجدانه للمصلحة وافيا بغرض المولى فقهرا بنفس اتيانه بالقيد المزبور يتحقق القرب ويصح منه العبادة. مع أنه على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي أيضا نقول: بأنه بعد احتمال فعلية الامر ومطلوبيته يكفي في التقرب بالعمل اتيانه برجاء كونه مأمورا به بالايجاد من دون احتياج إلى الجزم بالامر أصلا، كما هو واضح. هذا في الجهل البسيط.
واما في مورد الجهل المركب فيكفي أيضا في الداعوية وفي تحقق القرب اعتقاد الامر الفعلي وان لم يكن في الواقع امر أصلا فان ماله الدخل بتمامه في الداعوية والمحركية انما كان هو العلم بالامر لا هو بوجوده الواقعي، وحينئذ فإذا علم بالامر وجدانا أو تعبدا لقيام امارة عليه كان علمه ذلك تمام العلة لتحقق الدعوة، ومع اتيانه بالعمل بداعية يتحقق القرب المتوقف عليه صحة العبادة قهرا، من جهة تحقق ما هو علته وهي الدعوة، فيترتب عليه حينئذ صحة العبادة وان لم يكن هناك امر فعلي متعلق بالعمل في الواقع.
لا يقال: كيف ذلك مع أنه خلاف ما بنوا عليه من احتياج العبادة في صحتها إلى قيام الامر الفعلي بها في الواقع كما يشهد عليه حكمهم بفساد العبادة عند خلوها عن الامر واقعا.
فإنه يقال: كلا، وان اعتبارهم لوجود الامر انما هو باعتبار كشفه عن وجود المصلحة في متعلقه وبلوغه إلى مرحلة الوفاء بالغرض الفعلي نظرا إلى عدم طريق آخر إلى كشف المناط والمصلحة فيه الا امره وبعثه لا من جهة دخله في التقرب المعتبر في صحة العبادة، كما هو واضح.
الامر الثالث في الاضطرار إلى الغصب فنقول: الاضطرار إلى الغصب تارة يكون لاعن سوء اختيار وأخرى يكون عن سوء اختياره، وعلى التقديرين تارة يقطع بزوال العذر قبل خروج الوقت وأخرى يقطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت وثالثة يشك في ذلك، وعلى التقادير تارة يكون الغصب مجموع الفضاء والأرض وأخرى يكون الغصب