المفروض ان المقدار الذي تعلق الإرادة بحفظه انما هو حفظ المرام في الجملة بسد باب عدمه من ناحية مبادي حكم عقل المأمور بالإطاعة والامتثال لا حفظه بقول مطلق وهو يتحقق بابراز ارادته واظهارها بأمره وطلبه وبعثه بقوله افعل كذا، ومن المعلوم بداهة انه على هذا أيضا لا تخلف لها عن المراد من جهة انه بابراز ارادته تحقق ما هو موضوع حكم العقل بوجوب الإطاعة وانسد المقدار الذي كان المولى بصدد حفظه من جهته، و حينئذ فلا يكاد يضر مخالفة الكفار وأهل العصيان في الواجبات والمحرمات، إذ لا يستلزم مخالفتهم تخلف ارادته سبحانه عن مراده، كما هو واضح.
وحينئذ فتمام الخلط والاشتباه نشأ عن الخلط بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية ومقايسة إحداهما بالأخرى، فحيث ان الإرادة التكوينية يكون ترتب المراد عليها قهريا نظرا إلى تعلقها بحفظ وجوده بقول مطلق حتى من ناحية الأضداد والمزاحمات، تخيل ان الإرادة التشريعية أيضا مثلها في عدم الانفكاك عن المراد، وحينئذ فمن جهة مخالفة الكفار وأهل العصيان استشكل عليه الامر فالتزم فرارا عن الاشكال بالمغايرة بين الطلب والإرادة وان الله سبحانه وان أمر الكفار بالايمان وطلبه منهم و لكنه لم يرد منهم الايمان. ولكنك قد عرفت وضوح الفرق بينهما وانه لا مجال لمقايسة إحديهما بالأخرى، فتأمل تعرف حقيقة الحال في إرادتك صدور حمل من عبدك من حيث كونك تارة بصدد حفظ مرامك وسد جميع أبواب عدمه حتى من ناحية شهوة عبدك ولو بضربك إياه وجبره على الايجاد ولو بأخذ يده ونحو ذلك، وأخرى في مقام حفظه من ناحية امرك إياه وابراز إرادتك باعتبار قيام المصلحة بالوجود في ظرف صدوره عن العبد عن إرادته واختياره لا مطلقا مع صحة مؤاخذتك إياه لو أمرته فخالف ولم يطع، وهذا واضح لا سترة عليه.
واما صحة طلبه سبحانه الايمان والعمل بالأركان منهم حينئذ مع علمه الفعلي بعدم صدور الايمان منهم لعدم اختيارهم الايمان وإرادتهم العمل بالأركان، فلأجل إعلامهم بما في الفعل من الصلاح الراجع إلى أنفسهم ولكي يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، ولئلا يكون للناس على الله حجة بل كان له سبحانه عليهم حجة بالغة وانه سبحانه لم يكن ليظلمهم بل هم باختيارهم عدم الإطاعة يظلمون، وفى الحديث (ان أظلم الناس من يظلم على نفسه).