وقد يقال: إن الحكم الثاني ينسخ الحكم الأول، وهو ناسخ له، من حيث علم سقوط الأول به، كقولهم: " نسخ التوجه إلى الكعبة الاستقبال إلى بيت المقدس ". ومثل ما روى أن الزكاة نسخت كل واجب في المال، ونسخ شهر رمضان صوم عاشور.
وقد يتسع أيضا فيقال: " إن فلانا ينسخ كذا كذا "، إذا اعتقد ذلك وذهب إليه، كما يقال الشافعي لا ينسخ القرآن بالسنة (1)، والحنفي ينسخ ذلك (2).
وأما لفظ المنسوخ: فإنه يستعمل في الدليل والحكم دون ما عداهما، والأغلب في استعمال هذه اللفظة " الدلالة " و " الحكم " دون ما عداهما، وإن كان لا يستعمل في الحكم إلا إذا كان ثبوته يقتضي نفي الحكم الأول، أو علم بالدليل ذلك من حاله.
فهذه الوجوه هي جملة ما يستعمل هذه العبارة فيها، وحقيقتها ما ذكرناه.
فأما شرائط النسخ فأشياء: منها: أن الدليل الموصوف بأنه " ناسخ " وبأنه " منسوخ " جميعا يكونان شرعيين.
وإنما قلنا ذلك: لأنه إذا كانت الإباحة معلومة بالعقل، ثم ورد الشرع بحظره لا يسمى ذلك نسخا، ألا ترى أنه لا يقال: " حظر الخمر نسخ إباحته " لما كانت إباحته معلومة عقلا، فكذلك لا يقال: " إن الجنون، والموت والعجز نسخ واحد منها ما كان واجبا عليه " لما كان زوال ذلك عن المكلف معلوم عقلا.
وهذا الذي ذكرناه إنما يمنع من إطلاق عبارة النسخ عليه، فأما معنى النسخ