ويدل على ذلك أيضا: ان فعله عليه السلام إذا كان يقع على وجوه كثيرة فليس يخلوا من أن يكون على الوجوب من غير اعتبار ذلك الوجه، فالواجب أن يحكم بوجوب الفعل علينا، وان علمنا أنه فعله على طريق الندب أو الإباحة، وهذا باطل بالاجماع.
وان كانت على الوجوب، بأن يعتبر الوجوه التي عليها يقع، فهذا تناقض لان اعتبار وجوهه ينفي وجوب جميعه.
ويدل على ذلك أيضا: ان بظاهر فعله لا يعلم وجوبه عليه، فبان لا يعلم وجوبه علينا أولى، ويخالف القول في ذلك لان القول منه عليه السلام يعلم به وجوب ما تناوله علينا دونه من حيث كان أمرا لنا ويختص بنا دونه، وليس كذلك فعله، لأنا تبع له فيه، فإذا لم يدل على وجوبه عليه، فبأن يدل على وجوبه علينا أولى.
ويدل على ذلك أيضا: ان فعله عليه السلام لا يدوم في جميع الأحوال، بل قد يتركه أحيانا كما يفعله أحيانا، وإذا صح ذلك فليس بأن يحكم بوجوبه لأنه فعله بأولى من أن يحكم بوجوب تركه لأنه تركه، إذ القول فعل منه فهو بمنزلة الفعل في ذلك، ويفارق ذلك الامر الذي ليس تركه بمنزلته فيما يختص به.
وهذا معتمد ما نستدل به في هذا الباب دون ما أكثر الناس فيه.
واما من خالف في هذا الباب (1) فليس يخلو خلافه من أن يقول إن ذلك يجب من جهة العقل من حيث كان نبيا، أو من حيث كان في مخالفته تنفير:
فان قال بذلك: فقد بينا في الفصل انه لا يمتنع ان يخالف حالنا لحاله في المصالح، وذلك يبطل ما قالوه.
أو يقول إن ذلك واجب لدليل سمعي دل على ذلك، فالواجب علينا أن نبين ان ما ادعوه دليلا أو تعلقوا به ليس فيه دلالة على حال، لأنا لا ننكر أن يقوم على وجوب ذلك دليل، لكن لم يثبت ذلك.