«وتسليما» لأوامره ومقاديره «من المؤمنين» أي المؤمنين بالإخلاص مطلقا لا الذين حكيت محاسنهم خاصة «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لأعداء الدين وهم رجال من الصحابة رضى الله عنهم نذروا انهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب ابن عمير وانس بن النضر وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومعنى صدقوا أتوا بالصدق من صدقني إذا قال لك الصدق ومحل ما عاهدوا النصب إما بطرح الخافض عنه وإيصال الفعل إليه كما في قولهم صدقني سن بكره أي في سنة وإما يجعل المعاهد عليه مصدوقا على المجاز كأنهم خاطبوه خطاب من قال لكرمائه [نحرتنى الأعداء إن لم تنحرى] وقالوا له سنفى بك وحيث وفوا به فقد صدقوه ولو كانوا نكثوه لكذبوه ولكان مكذوبا «فمنهم من قضى نحبه» تفصيل لحال الصادقين وتقسيم إلى قسمين والحب النذر وهو أن يلتزم الانسان شيئا من أعماله ويوجبه على نفسه وقضاؤه الفراغ منه والوفاء به ومحل الجار والمجرور الرفع على الابتداء على أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى «ومن الناس من يقول آمنا بالله» الآية أي فبعضهم أو فبعض منهم من خرج عن العهدة كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر عم أنس ابن مالك وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فإنهم قد قضوا نذورهم سواء كان النذر على حقيقته بأن يكون ما نذروه افعالهم الاختيارية التي هي المقاتلة المغياة بما ليس منها ولا يدخل تحت النذر وهو الموت شهيدا أو كان مستعارا لالتزامه على ما سيأتي «ومنهم» أي وبعضهم أو وبعض منهم «من ينتظر» أي قضاء نحبه لكونه موقتا كعثمان وطلحة وغيرهما ممن استشهد بعد ذلك رضوان الله تعالى عليهم أجمعين فإنهم مستمرون على نذورهم قد قضوا بعضها وهو الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال إلى حين نزول الآية الكريمة ومنتظرون لقضاء بعضها الباقي وهو القتال إلى الموت شهيدا هذا ويجوز ان يكون النحب مستعارا لالتزام الموت شهيدا إما بتنزيل أسبابه التي هي أفعال اختيارية للناذر منزلة الالتزام نفسه وإما بتنزيل نفسه منزلة أسبابه وإيراد الالتزام عليه وهو الأنسب بمقام المدح وأياما كان في وصفهم بالانتظار المنبئ عن الرغبة في المنتظر شهادة حقة بكمال اشتياقهم إلى الشهادة وأما ما قيل من أن النحب استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان فمسخ للاستعارة وذهاب برونقها وإخراج للنظم الكريم عن مقتضى المقام بالكلية «وما بدلوا» عطف على صدقوا وفاعله فاعله أي وما بدلوا عهدهم وما غيروه «تبديلا» أي تبديلا ما لا أصلا ولا وصفا بل ثبتوا عليه راغبين فيه مراعين لحقوقه على أحسن ما يكون أما الذين قضوا فظاهر وأما الباقون فيشهد به انتظارهم أصدق شهادة وتعميم عدم التبديل للفريق الأول مع ظهور حالهم للإيذان بمساواة الفريق الثاني لهم في الحكم
(٩٨)