«إن يريدون» ما يريدون بالاستئذان «إلا فرارا» من القتال «ولو دخلت عليهم» أسند لدخول إلى بيوتهم وأوقع عليهم لما ان المراد فرض وهم فيها الا فرض دخولها مطلقا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور ولا فرض الدخول عليهم مطلقا كما هو المفهوم لو أسند إلى الجار والمجرور «من أقطارها» أي من جميع جوانبها لا من بعضها دون بعض فالمعنى لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية ودخلها كل من أراد من أهل الدعارة والفساد «ثم سئلوا» من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة والرجفة الهائلة «الفتنة» أي الردة والرجعة إلى الكفر مكان ما سئلوا الان من الايمان والطاعة «لآتوها» لأعطوها غير مبالين بما دهاهم من الداهية الدهياء والغارة الشعواء وقرئ لاتوها بالقصر أي لفعلوها وجاءوها «وما تلبثوا بها» بالفتنة أي ما ألبثوها وما أخروها «إلا يسيرا» ريثما يسع السؤال والجواب من الزمان فضلا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها كما فعلوا الان وقيل ما لبثوا بالمدينة بعد الارتداد الا يسيرا والأول هو اللائق بالمقام هذا واما تخصيص فرض الدخول بتلك العساكر المتحزبة فمع منافاته للعموم المستفاد من تجريد الدخول عن الفاعل ففيه ضرب من فساد الوضع لما عرفت من ان مساق النظم الكريم لبيان انهم إذا دعوا إلى الحق تعللوا بشيء يسير وان دعوا إلى الباطل سارعوا اليه اثر ذي أثير من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم ففرض الدخول عليهم من جهة العساكر المذكورة واسناد سؤال الفتنة والدعوة إلى الكفر إلى طائفة أخرى مع ان العساكر هم المعروفون بعداوة الدين المباشرون لقتال المؤمنين المصرون على الاعراض عن الحق المجدون في الدعاء إلى الكفر والضلال بمعزل من التقريب «ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار» فإن بني حارثة عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين فشلوا ان لا يعودوا لمثله وقيل هم قوم غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما اعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة فقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن «وكان عهد الله مسؤولا» مطلوبا مقتضى حتى يوفي به وقيل مسؤولا عن الوفاء به ومجازي عليه «قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل» فإنه لا بد لكل شخص من حتف انف أو قتل سيف في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم «وإذا لا تمتعون إلا قليلا» أي وان نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع الا تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا «قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة»
(٩٥)