غلبت على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون وقد غزاهم المسلمون في السنة التاسعة من نزولها ففتحوا بعض بلادهم فإضافة الغلب حينئذ إلى الفاعل «لله الأمر من قبل ومن بعد» أي في أول الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين والمعنى ان كلا من كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس الا بأمر الله تعالى وقضائه وتلك الأيام نداولها بين الناس وقرئ من قبل ومن بعد بالجر من غير تقدير مضاف اليه واقتطاعه كأنه قيل قبلا وبعدا بمعنى أولا وآخرا «ويومئذ» أي يوم إذ يغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم «يفرح المؤمنون» «بنصر الله» وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة وكون ذلك من دلائل غلبة المؤمنين على الكفار وقيل نصر الله اظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس وقيل نصره تعالى انه ولى بعض الظالمين بعضا وفرق بين كلمتهم حتى تناقصوا وتفانوا وفل كل منهم شوكة الآخر وفي ذلك قوة وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه وافق ذلك يوم بدر وفيه من نصر الله العزيز للمؤمنين وفرحهم بذلك مالا يخفي والأول هو الأنسب لقوله تعالى «ينصر من يشاء» أي من يشاء ان ينصره من عباده على عدوه ويغلبه عليه فإنه استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى الله الامر من قبل ومن بعد «وهو العزيز» المبالغ في العزة والغلبة فلا يعجزه من يشاء ان ينصر عليه كائنا من كان «الرحيم» المبالغ في الرحمة فينصر من يشاء ان ينصره أي فريق كان والمراد بالرحمة هي الدنيوية اما على القراءة المشهورة فظاهر لما ان كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الأخروية واما على القراءة الأخيرة فلان المسلمين وان كانوا مستحقين لها لكن المراد ههنا نصرهم الذي هو من آثار الرحمة الدنيوية وتقديم وصف العزة لتقدمه في الاعتبار «وعد الله» مصدر مؤكد لنفسه لان ما قبله في معنى الوعد كأنه قيل وعد الله وعدا «لا يخلف الله وعده» أي وعد كان مما يتعلق بالدنيا والآخرة لاستحالة الكذب عليه سبحانه واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لتعليل الحكم وتفخيمه والجملة استئناف مقرر لمعنى المصدر وقد جوز ان تكون حالا منه فيكون كالمصدر الموصوف كأنه قيل وعدا الله غير مخلف «ولكن أكثر الناس لا يعلمون» أي ما سبق من شؤونه تعالى «يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا» وهو ما يشاهدونه من زخارفها وملاذها وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم المستدعية لأنهما كهم فيها وعكوفهم عليها لا تمتعهم بزخارفها وتنعمهم بملاذها كما قيل فإنهما ليسا مما علموه منها بل من افعالهم المترتبة على علومهم وتنكير ظاهرا للتحقير والتخسيس
(٥٠)