خاف عقابه وهو غائب عنه على انه حال من الفاعل أو المفعول أو خافه في سريرته ولم يغتر برحمته فإنه منتقم قهار كما انه رحيم غفار كما نطق به قوله تعالى نبىء عبادي اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الأليم «فبشره بمغفرة» عظيمة «وأجر كريم» لا يقادر قدره والفاء لترتيب البشارة أو الامر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية «إنا نحن نحيي الموتى» بيان لشأن عظيم ينطوي على الانذار والتبشير انطواء اجماليا أي نبعثهم بعد مماتهم وعن الحسن إحياؤهم اخراجهم من الشرك إلى الايمان فهو حينئذ عدة كريمة بتحقيق المبشر به «ونكتب ما قدموا» أي ما أسلفوا من الاعمال الصالحة وغيرها «وآثارهم» التي أبقوها من الحسنات كعلم علموه أو كتاب ألفوه أو حبيس وقفوه أو بناء بنوه من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البر ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان وترتيب مبادي الشر والفساد فيما بين العباد وغير ذلك من فنون الشرور التي أحدثوها وسنوها لمن بعدهم من المفسدين وقيل هي آثار المشائين إلى المساجد ولعل المراد انها من جملة الآثار وقرئ ويكتب على البناء للمفعول ورفع آثارهم «وكل شيء» من الأشياء كائنا ما كان «أحصيناه في إمام مبين» أصل عظيم الشأن مظهر لجميع الأشياء مما كان وما سيكون وهو اللوح المحفوظ وقرئ كل شيء بالرفع «واضرب لهم مثلا أصحاب القرية» ضرب المثل يستعمل تارة في تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما في قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط وأخرى في ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها بنظيرة لها كما في قوله تعالى وضربنا لكم الأمثال على أحد الوجهين أي بينا لكم أحوالا بديعة هي في الغرابة كالأمثال فالمعنى على الأول اجعل أصحاب القرية مثلا لهؤلاء في الغلو في الكفر والاصرار على تكذيب الرسل أي طبق حالهم بحالهم على ان مثلا مفعول ثان لا ضرب وأصحاب القرية مفعوله الأول اخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه وعلى الثاني اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله تعالى أصحاب القرية بدل منه بتقدير المضاف أو بيان له والقرية أنطاكية «إذ جاءها المرسلون» بدل اشتمال من أصحاب القرية وهم رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها ونسبة ارسالهم اليه تعالى في قوله «إذ أرسلنا إليهم اثنين» بناء على انه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية وهما يحيى وبولس وقيل غيرهما «فكذبوهما» أي فأتياهم فدعواهم إلى الحق فكذبوهما في الرسالة «فعززنا» أي قوينا يقال عزز المطر الأرض إذ لبدها وقرئ بالتخفيف من عزه إذا غلبه وقهره وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولان المقصد ذكر المعزز به «بثالث» هو شمعون «فقالوا» أي جميعا «إنا إليكم مرسلون» مؤكدين كلامهم لسبق الانكار لما ان تكذيبهما تكذيب للثالث لاتحاد كلمتهم وذلك انهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم
(١٦١)