بالآيات الشاهدة بالصحة وقد خرجنا عن عهدته فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا أو ما علينا شيء نطالب به من جهتكم الا تبليغ الرسالة على الوجه المذكور وقد فعلناه فأي شيء تطلبون منا حتى تصدقونا بذلك «قالوا» لما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل «إنا تطيرنا بكم» تشاءمنا بكم جريا على ديدن الجهلة حيث كانوا يتيمنون بكل ما يوافق شهواتهم وان كان مستجلبا لكل شر ووبال ويتشاءمون بمالا يوافقها وان كان مستتبعا لسعادة الدارين أو بناء على الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر متعلق بأنفسهم وأهليهم وأموالهم ان لم يؤمنوا فكانوا ينفرون عنه وقد روى انه حبس عنهم القطر فقالوه «لئن لم تنتهوا» أي عن مقالتكم هذه «لنرجمنكم» بالحجارة «وليمسنكم منا عذاب أليم» لا يقادر قدره «قالوا طائركم» أي سبب شؤمكم «معكم» لا من قبلنا وهو سوء عقيدتكم وقبح اعمالكم وقرئ طيركم «أئن ذكرتم» أي وعظتم بما فيه سعادتكم وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه أي تطيرتم وتوعدتم بالرجم والتعذيب وقرئ بألف بين الهمزتين وبفتح ان بمعنى أتطيرتم لان ذكرتم وان ذكرتم وان ذكرتم بغير استفهام وأين ذكرتم بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ «بل أنتم قوم مسرفون» اضراب عما تقتضيه الشرطية من كون التذكير سببا للشؤم أو مصححا للتوعد أي ليس الامر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الاسراف في العصيان فلذلك اتاكم الشؤم أو في الظلم والعدوان ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب اكرامه والتبرك به «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى» هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به تبع الأكبر وورقة بن نوفل وغيرهما ولم يؤمن من بنبي غيره صلى الله عليه وسلم أحد قبل مبعثه وقيل كان في غار يعبد الله تعالى فلما بلغه خبر الرسل عليهم الصلاة والسلام اظهر دينه «قال» استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية مجيئه ساعيا كأنه قيل فماذا قال عند مجيئه فقيل قال «يا قوم اتبعوا المرسلين» تعرض لعنوان رسالتهم حثا لهم على اتباعهم كما ان خطابهم بيا قوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته وقوله تعالى «اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون» تكرير للتأكيد والتوسل به إلى وصفهم بما يرغبهم في اتباعهم من التنزه عن الغرض الدنيوي والاهتداء إلى خير الدنيا والدين «وما لي لا أعبد الذي فطرني» تلطف في الارشاد
(١٦٣)