تهلك نفسك للحسرات والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه صلى الله عليه وسلم على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته وإما حال كان كلها صارت حسرات وقوله تعالى «إن الله عليم بما يصنعون» أي من القبائح تعليل لما قبله على الوجوه الثلاثة مع ما فيه فيه من الوعيد عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت في أبي جهل ومشركي مكة «والله الذي أرسل الرياح» مبتدأ وخبر وقرئ الريح وصيغة المضارع في قوله تعالى «فتثير سحابا» لحكاية الحال الماضية استحضارا لعلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ولأن المراد بيان إحداثها لتلك الخاصية ولذلك اسند إليها أو للدلالة على استمرار الإثارة «فسقناه إلى بلد ميت» وقرئ بالتخفيف «فأحيينا به الأرض» أي بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب «بعد موتها» أي يبسها وإيراد الفعلين على صيغة الماضي للدلالة على التحقق وإسنادهما إلى نون العظمة المنبئ عن اختصاصهما به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين إحياء الأرض وبين البعث الذي شبه به بقوله تعالى «كذلك النشور» في كمال الاختصاص بالقدرة الربانية والكاف في حيز الرفع على الخبرية أي مثل ذلك الإحياء الذي تشاهدونه إحياء الأموات في صحة المقدورية وسهولة التأتى من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف في الأول دون الثاني وقيل في كيفية الإحياء يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء فينبت منه أجساد الخلق «من كان يريد العزة» هم المشركون الذين كانوا يتعززون بعبادة الأصنام كقوله تعالى «واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا» والذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم كما في قوله تعالى «الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة» والجمع بين كان ويريد الدلالة على دوام الإرادة واستمرارها «فلله العزة جميعا» أي له تعالى وحده لا لغيره عزة الدنيا وعزة الآخرة أي فليطلبها منه لا من غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله إيذانا بأن اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى وقوله تعالى «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح وصعودهما إليه مجاز عن قبوله تعالى إياهما أو صعود الكتبة بصحيفتهما وتقديم الجار والمجرور عبارة عن كمال الاعتداد به كقوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات أي إليه يصل الكلم الطيب الذي به يطلب العزة لا إلى الملائكة الموكلين بأعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطى طلبته بالذات
(١٤٥)