«إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها» لما بين عظم شأن طاعة الله ورسوله ببيان مآل الخارجين عنها من العذاب الأليم ومنال المراعين لها من الفوز العظيم عقب ذلك ببيان عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة امرها بطريق التمثيل مع الايذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام وعبر عنها بالأمانة تنبيها على انها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير اخلال بشيء من حقوقها وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى استعداد ما ذكر من السماوات وغيرها بالعرض عليها لاظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها وعن عدم استعدادهن لقبولها بالاباء والاشفاق منها لتهويل امرها وتربية فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة والمعنى ان تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الاجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها وكانت ذات شعور وادراك لا بين قبولها وأشفقن منها ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه «وحملها الإنسان» أي عند عرضها عليه اما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إياها يوم الميثاق أي تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة وهو اما عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطري أو عن اعترافه بقوله بلى وقوله تعالى «إنه كان ظلوما جهولا» اعتراض وسط بين الحمل وغايته للايذان من أول الامر بعدم وفائه بما عهده وتحمله أي انه كان مفرطا في الظلم مبالغا في الجهل أي بحسب غالب افراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة أو اعترافهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تبديلا والى الفريق الأول أشير بقوله تعالى «ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات» أي حملها الانسان ليعذب الله بعض افراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على ان اللام للعاقبة فإن التعذيب وان لم يكن غرضا له من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض افراده ترتب الاغراض على الافعال المعللة بها ابرز في معرض الغرض أي كان عاقبة حمل الانسان لها ان يعذب الله تعالى هؤلاء من افراده لخيانتهم الأمانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية والى الفريق الثاني أشير بقوله تعالى «ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات» أي كان عاقبة حمله ان يتوب الله تعالى على هؤلاء من افراده أي يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة وتلافيهم لما
(١١٨)