عليه الصلاة والسلام زاحمهم في السقي لهما فوضعوا الحجر على البئر لتعجيزه عليه الصلاة والسلام عن ذلك فإن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام غب ما شاهد حالهما شارع إلى السقي لهما وقد روى أنه دفعهم عن الماء إلى أن سقى لهما وقيل كانت هناك بئر أخرى عليها الصخرة المذكورة وروى أنه عليه الصلاة والسلام سألهم دلوا من ماء فاعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكان لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وروى غنمهما وأصدرهما «ثم تولى إلى الظل» الذي كان هناك «فقال رب إني لما أنزلت إلي» أي أي شيء أنزلته إلي «من خير» جل أو قل وحمله الأكثرون على الطعام بمعونة المقام «فقير» أي محتاج ولنضمنه معنى السؤال والطلب جئ بلام الدعامة لتقوية العمل وقيل المعنى لما أنزلت إلى من خير عظيم هو خير الدارين صرت فقيرا في الدنيا لأنه كان في سعة من العيش عند فرعون قاله عليه الصلاة والسلام إظهارا للبجح والشكر على ذلك «فجاءته إحداهما» قيل هي كبراهما واسمها صفوراء أو صفراء وقيل صغراهما واسمها صفيراء أي جاءته عقيب ما رجعتا إلى أبيها روى انهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما إذهبي فادعيه لي وقوله تعالى «تمشي» حال من فاعل جاءت وقوله تعالى «على استحياء» متعلق بمحذوف هو حال من ضمير تمشى أي جاءته تمشي كائنة على استحياء فمعناه انها كانت على استحياء حالتي المثى والمجيء معا لا عند المجيء فقط وتنكير استحياء للتفخيم قيل جاءته متخفرة أي شديدة الحياء وقيل قد استترت بكم درعها «قالت» استئاف مبنى على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل فماذا قالت له عليه الصلاة والسلام فقيل قالت «إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا» أي جزاء سقيك لنا أسندت الدعوة إلى أبيها وعللتها بالجزاء لئلا يوهم كلامها ريبة وفيه من الدلالة على كمال العقل والحياء والعفة ما لا يخفى روى أنه عليه الصلاة والسلام أجابها فانطلقا وهي أمامه فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشي خلفي وانعتى لي الطريق ففعلت حتى أتيا دار شعيب عليهما السلام «فلما جاءه وقص عليه القصص» أي ما جرى عليه من الخبر المقصوص فإنه مصدر سمى به المفعول كالعلل «قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين» الذي يلوح من ظاهر النظم الكريم أن موسى عليه السلام إنما أجاب المستدعية من غير تلعثم ليتبرك برؤية شعيب عليه السلام ويستظهر برأيه لا ليأخذ بمعروفه أجرا حسبما صرحت به ألا يرى إلى ما روى أن شعيبا لما قدم إليه طعاما قال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا ولا نأخذ على المعروف ثمنا ولم يتناول حتى قال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فتناول بعد ذلك على سبيل التقبل لمعروف مبتدأ كيف لا وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوة
(٩)