لما أن معمول الصلة لا يتقدمها «فخرج منها» أي من المدينة «خائفا يترقب» لحوق الطالبين «قال رب نجني من القوم الظالمين» خلصني منهم واحفظني من لحوقهم «ولما توجه تلقاء مدين» أي نحو مدين وهي قرية شعيب عليه السلام سميت باسم مدين بن إبراهيم ولم تكن تحت سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام «قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل» توكلا على الله تعالى وثقة بحسن توفيقه وكان لا يعرف الطرق فعن له ثلاث طرائق فأخذ في الوسطى وجاء الطلاب فشرعوا في الأخريين وقيل خرج حافيا لا يعيش إلا بورق الشجر فما وصل حتى سقط خف قدميه وقيل جاء ملك على فرس وبيده عنزة فانطلق به إلى مدين «ولما ورد ماء مدين» أي وصل اليه وهو بئر كانوا يسقون منه «وجد عليه» أي فوق شفيرها «أمة» جماعة كثيفة «من الناس يسقون» أي مواشيهم «ووجد من دونهم» أي في موضع أسفل منهم «امرأتين تذودان» أي تمنعان ما معهما من الأغنام عن التقدم إلى البئر كيلا تختلط بأغنامهم مع عدم الفائدة في التقدم «قال» عليه السلام لهما حين رآهما على ماهما عليه من التأخر والذود «ما خطبكما» ما شأنكما فيما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كدأب هؤلاء «قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء» أي عادتنا ان لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزا عن مساجلتهم وحذرا عن مخالطة الرجال لا أنا لا نسقي اليوم إلى تلك الغاية وحذف مفعول السقي والذود والاصدار لما أن الغرض هو بيان تلك الافعال أنفسها إذ هي التي دعت موسى عليه السلام إلى ما صنع في حقهما من المعروف فإنه عليه الصلاة والسلام إنما رحمهما لكونهما على الذياد للعجز والعفة وكونهم على السقي غير مبالين بهما وما رحمهما لكن مذودهما غنما ومسقيهم إبلا مثلا وقرئ لا نسقى من الإسقاء ويصدر من الصدور والرعاء بضم الراء وهو اسم جمع كالرخاء وأما الرعاء فجمع قياسي كصيام وقيام وقوله تعالى «وأبونا شيخ كبير» إبراء منهم للعذر إليه عليه السلام في توليهما للسقي بأنفسهما كأنهما قالتا إنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجال ومزاحمتهم وما لنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ كبير السن قد اضعفه الكبر فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يقضي الناس أوطارهم من الماء «فسقى لهما» رحمة عليهما والكلام في حذف مفعوله كما مر آنفا روى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال وقيل عشرة وقيل أربعون وقيل مائة فأفله وحده مع ما كان به من الوصب والجراحة والجوع ولعله
(٨)