وأن يسكت بين النفس والنفس حتى يرجع إليه نفسه، وألا يدغم حرفا في حرف; لأن أقل ما في ذلك أن يسقط من حسناته بعضها، وينبغي للناس أن يرغبوا في تكثير حسناتهم; فهذا الذي وصفت أقل ما يجب من الترتيل.
وقيل: أقل الترتيل أن يأتي بما يبين ما يقرأ به، وإن كان مستعجلا في قراءته، وأكمله أن يتوقف فيها، ما لم يخرجه إلى التمديد والتمطيط; فمن أراد أن يقرأ القرآن بكمال الترتيل فليقرأه على منازله، فإن كان يقرأ تهديدا لفظ به لفظ المتهدد، وإن كان يقرأ لفظ تعظيم لفظ به على التعظيم.
وينبغي أن يشتغل قلبه في التفكر في معنى ما يلفظ بلسانه، فيعرف من كل آية معناها، ولا يجاوزها إلى غيرها حتى يعرف معناها، فإذا مر به آية رحمة وقف عندها وفرح بما وعده الله تعالى منها، واستبشر إلى ذلك، وسأل الله برحمته الجنة. وإن قرأ آية عذاب وقف عندها، وتأمل معناها; فإن كانت في الكافرين اعترف بالإيمان، فقال: آمنا بالله وحده: وعرف موضع التخويف، ثم سأل الله تعالى أن يعيذه من النار.
وإن هو مر بآية فيها نداء للذين آمنوا فقال: " يا أيها الذين آمنوا " وقف عندها - وقد كان بعضهم: يقول لبيك ربى وسعديك - ويتأمل ما بعدها مما أمر به ونهى عنه; فيعتقد قبول ذلك. فإن كان من الأمر الذي قد قصر عنه فيما مضى اعتذر عن فعله في ذلك الوقت، واستغفر ربه في تقصيره، وذلك مثل قوله: * (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) *.
وعلى كل أحد أن ينظر في أمر أهله في صلاتهم وصيامهم وأداء ما يلزمهم في طهاراتهم