فلا يغيب عن جمع القرآن عنده منه شئ، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكو في أنه جمع عن ملأ منهم.
فأما قوله: " وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت، ولم أجدها مع غيره "، يعنى ممن كانوا في طبقة خزيمة لم يجمع القرآن.
وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل; فبغير شك جمعوا القرآن، والدلائل عليه متظاهرة، قال: ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب، إذ لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن. قال: ومن الدليل على ذلك أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عنده الصديق لتكون إماما ولم تفارق الصديق في حياته، ولا عمر أيامه. ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها، ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة، وقع الاختيار عليها في أيام عثمان; فأخذ ذلك الإمام، ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى الكوفة، وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة، حتى خيف الفساد فجمعوا على القراءة التي نحن عليها. قال: والمشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان رضي الله عنه، وليس كذلك; إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشى الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن. وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن; فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق; روى عن علي أنه قال: رحم الله أبا بكر! هو أول من جمع بين اللوحين، ولم يحتج الصحابة في أيام أبى بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان; لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان; ولقد وفق لأمر عظيم، ورفع الاختلاف، وجمع الكلمة، وأراح الأمة.