أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض؟ جوزه بعضهم لقصور نظرهم. وينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل: هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام أن هذا في موضعه له حسن ولطف، وذاك في موضعه له حسن ولطف، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه.
فإن من قال: إن * (قل هو الله أحد) * أبلغ من * (تبت يدا أبى لهب) * يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبى لهب، وبين التوحيد والدعاء على الكافرين.
وذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال: * (تبت يدا أبى لهب) * دعاء عليه بالخسران، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه! وكذلك في * (قل هو الله أحد) * لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى * (تبت يدا أبى لهب وتب) * في باب الدعاء والخسران، ونظر إلى * (قل هو الله أحد) * في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول: أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده علم البيان.
قلت: ولعل الخلاف في هذه المسألة يلفت عن الخلاف المشهور إن كلام الله شئ واحد أولا; عند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته، إنما هو بحسب متعلقاته.
فإن قيل: فقد قال تعالى: * (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) *، فجعله شيئين، وأنتم تقولون بعدمه، وأنه صفة واحدة؟
قلنا: من حيث أنه كلام الله لا مزية لشئ منه على شئ. ثم قولنا: " شئ منه " يوهم التبعيض، وليس لكلام الله الذي هو صفته بعض، ولكن بالتأويل والتفسير وفهم السامعين اشتمل على جميع أنواع المخاطبات، ولولا تنزله في هذه المواقع لما وصلنا إلى فهم شئ منه.