قال: " وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظه فذلك بعيد; بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر، لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاقات إلا قليلا شاذ ".
وقال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك: إنما وجدت هذه في كلام العرب; لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظا، ويجوز أن يكون العرب قد سبقها غيرهم إلى هذه الألفاظ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى كافة الخلق، قال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) *.
وحكى ابن فارس عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه حكى الخلاف في ذلك، ونسب القول بوقوعه إلى الفقهاء، والمنع إلى أهل العربية. ثم قال أبو عبيد: " والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا; وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، إلا أنها سقطت إلى العرب فعربتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق ". قال: " وإنما فسر هذا لئلا يقدم أحد على الفقهاء فينسبهم إلى الجهل، ويتوهم عليهم أنهم أقدموا على كتاب الله بغير ما أراده [الله جل وعز]، فهم كانوا أعلم بالتأويل وأشد تعظيما للقرآن ".
قال ابن فارس: " وليس كل من خالف قائلا في مقالته ينسبه إلى الجهل، فقد اختلف الصدر الأول في تأويل [آي من] القرآن ".
قال: " فالقول إذن ما قاله أبو عبيد، وإن كان قوم من الأوائل قد ذهبوا إلى غيره ".