تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٤ - الصفحة ٢٢٢
أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول " قال قعد ثابت بن قيس رضي الله عنه في الطريق يبكي قال فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان فقال ما يبكيك يا ثابت؟ قال هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في وأنا صيت رفيع الصوت قال فمضى عاصم بن عدي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وغلبه البكاء فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول فقال لها إذا دخلت بيت فرشي فشدي على الضبة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال لا أخرج حتى يتوفاني الله تعالى أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأتى عاصم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال " اذهب فادعه لي " فجاء عاصم رضي الله عنه إلى المكان فلم يجده فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفرش فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقال اكسر الضبة قال فخرجا فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما يبكيك يا ثابت؟ " فقال رضي الله عنه أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ " فقال رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنزل الله تعالى " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ". الآية.
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما فجاء فقال أتدريان أين أنتما؟ ثم قال من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا. وقال العلماء يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيا وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائما ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبة ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ولهذا قال تبارك وتعالى " ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض " كما قال تعالى " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ".
وقوله عز وجل " أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا يكتب له بها الجنة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك وأرشد إليه ورغب فيه فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك امتحن الله قلوبهم للتقوى) أي أخلصها لها وجعلها أهلا ومحلا " لهم مغفرة وأجر غطيم " وقد قال الإمام أحمد في كتاب الزهد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال كتب إلى عمر يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها " أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ".
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم (5) أنه تبارك وتعالى ذم الذين ينادونه من وراء الحجرات وهي بيوت نسائه كما يصنع أجلاف الاعراب فقال " أكثرهم لا يعقلون " ثم أرشد تعالى إلى الأدب في ذلك فقال عز وجل (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة الصافات 3
2 تحطيم الأصنام 14
3 الذبيح إسماعيل عليه السلام 16
4 تفسير سورة ص 29
5 تسبيح الجبال والطير مع سيدنا داود 32
6 تفسير سورة الزمر 48
7 ضرب الأمثال في القرآن 56
8 الحث على التوبة 63
9 تفسير قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره 67
10 النفخ في الصور 69
11 دخول الأشقياء النار 70
12 دخول المتقين الجنة 71
13 ذكر سعة أبواب الجنة 73
14 تفسير سورة المؤمن 75
15 استحباب الدعاء للمؤمنين السابقين 77
16 الامر باخلاص الدعاء لله وحده 79
17 إرسال سيدنا يوسف إلى أهل مصر 85
18 نصيحة مؤمن آل فرعون 87
19 تفسير سورة فصلت 97
20 شهادة الجوارح على الانسان 103
21 فضل الداعي إلى الله 108
22 تفسير سورة الشورى 114
23 تفسير سورة الزخرف 132
24 تفسير سورة الدخان 148
25 تفسير سورة الجاثية 159
26 تفسير سورة الأحقاف 165
27 وفد الجن الذين استمعوا القرآن 175
28 تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم 185
29 تفسير سورة الفتح 196
30 ذكر سبب البيعة 200
31 فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 208
32 قصة صلح الحديبية 209
33 تفسير سورة الحجرات 220
34 تفسير سورة ق 235
35 تفسير سورة الذاريات 247
36 تفسير سورة الطور 255
37 تفسير سورة النجم 264
38 تفسير سورة اقتربت الساعة 279
39 تفسير سورة الرحمن 289
40 تفسير سورة الواقعة 302
41 تفسير سورة الحديد 323
42 تفسير سورة المجادلة 340
43 تفسير سورة الحشر 353
44 أسماء الله الحسنى 366
45 تفسير سورة الممتحنة 368
46 مبايعة النساء 376
47 تفسير سورة الصف 381
48 تفسير سورة الجمعة 387
49 تفسير سورة المنافقين 393
50 تفسير سورة التغابن 398
51 تفسير سورة الطلاق 403
52 تفسير سورة التحريم 411
53 تفسير سورة الملك 421
54 تفسير سورة ن 427
55 تفسير سورة الحاقة 439
56 تفسير سورة المعارج 446
57 تفسير سورة نوح 452
58 تفسير سورة الجن 456
59 تفسير سورة المزمل 462
60 تفسير سورة المدثر 469
61 تفسير سورة القيامة 477
62 تفسير سورة الانسان 483
63 تفسير سورة المرسلات 488
64 تفسير سورة النبأ 492
65 تفسير سورة النازعات 497
66 تفسير سورة عبس 501
67 تفسير سورة التكوير 506
68 تفسير سورة الانفطار 513
69 تفسير سورة المطففين 515
70 تفسير سورة الانشقاق 520
71 تفسير سورة البروج 524
72 تفسير سورة الطارق 531
73 تفسير سورة الاعلى 532
74 تفسير سورة الغاشية 536
75 تفسير سورة الفجر 539
76 تفسير سورة البلد 546
77 تفسير سورة الشمس 550
78 تفسير سورة الليل 553
79 تفسير سورة الضحى 557
80 تفسير سورة الانشراح 560
81 تفسير سورة التين 562
82 تفسير سورة العلق 564
83 تفسير سورة القدر 566
84 تفسير سورة البينة 573
85 تفسير سورة الزلزلة 575
86 تفسير سورة العاديات 578
87 تفسير سورة القارعة 580
88 تفسير سورة التكاثر 581
89 تفسير سورة العصر 585
90 تفسير سورة الهمزة 586
91 تفسير سورة الفيل 586
92 تفسير سورة قريش 591
93 تفسير سورة الماعون 592
94 تفسير سورة الكوثر 595
95 تفسير سورة الكافرون 598
96 تفسير سورة النصر 600
97 تفسير سورة المسد 602
98 تفسير سورة الاخلاص 604
99 تفسير سورة الفلق 610
100 تفسير سورة الناس 615