الخامسة - ترجم الإمام أبو عبد الله بن إسماعيل البخاري في صحيحه فقال: (باب قوله الله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "، وقوله: " إنما بغيكم على أنفسكم (1) "، " ثم بغى عليه لينصرنه الله (2) "، وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر) ثم ذكر حديث عائشة في سحر لبيد ابن الأعصم النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن بطال: فتأول رضي الله عنه من هذه الآيات ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر، كما دل عليه حديث عائشة حيث قال عليه السلام: " أما الله فقد شفاني وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا ". ووجه ذلك - والله أعلم - أنه تأول في قول الله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والاحسان " الندب بالاحسان إلى المسئ وترك معاقبته على إساءته. فإن قيل: كيف يصح هذا التأويل في آيات البغى. قيل: وجه ذلك - والله أعلم - أنه لما أعلم الله عباده بأن ضرر البغى ينصرف على الباغي بقوله:
" إنما بغيكم على أنفسكم " وضمن تعالى نصرة من بغى عليه، كان الأولى بمن بغى عليه شكر الله على ما ضمن من نصره ومقابلة ذلك بالعفو عمن بغى عليه، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم باليهودي الذي سحره، وقد كان له الانتقام منه بقوله: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (3) ". ولكن آثر الصفح أخذا بقوله: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور (4) ".
السادسة - تضمنت هذه الآية الامر بالمعروف والنهى عن المنكر. وقد تقدم القول فيهما (5). روى أن جماعة رفعت عاملها إلى أبى جعفر المنصور العباسي، فحاجها العامل وغلبها، بأنهم لم يثبتوا عليه كبير ظلم ولا جوره في شئ، فقام فتى من القوم فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله يأمر بالعدل والاحسان، وإنه عدل ولم يحسن. قال: فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل.